يتواصل العدوان الإسرائيلي على غزة دون توقف، بين حصار يضرب أطنابه في كل مناحي الحياة، ويدخل عامه الثالث عشر دون توقف، وحروب دامية فتاكة تحرق الأخضر واليابس، فما إن تلتقط غزة أنفاسها من واحدة، حتى تباغتها (إسرائيل) بحرب ثانية وثالثة، وبينهما جولات من التصعيد العسكري الذي يستنزف غزة ومقاومتها وشعبها.
آخر حلقات العدوان الإسرائيلي تمثلت في مواجهات الساعات الماضية، التي أسفرت عن استشهاد عدد من المتظاهرين المدنيين السلميين، الذين لم يشكلوا خطرا على جنود الاحتلال، فلا اقتربوا منهم، ولا ألقوا زجاجات حارقة، ولا حاولوا اختطافهم، ولا ولا ولا، من تلك الذرائع الواهية التي يروجها الاحتلال في تبرير قتله لهؤلاء المتظاهرين.
اللافت أن هذا التصعيد الإسرائيلي يتزامن مع وعود نقلتها مصر للفصائل الفلسطينية تفيد بأن هناك تفاهمات مع (إسرائيل) مفادها "الهدوء مقابل الهدوء"، الأمر الذي من شأنه تسكين الجبهة الجنوبية مع غزة، في ظل وجود رغبات متشابكة لمختلف الأطراف بعدم توتيرها قبيل الانتخابات الإسرائيلية خشية أن يتم استغلال أي توتر للمزاودات الحزبية الإسرائيلية.
لا يحتاج الواحد لكثير من التحليل والخبرة للتوصل إلى قناعات مفادها أن الإسرائيليين معنيون بفرض الهدوء في غزة، مقابل منح الفلسطينيين فيها تسهيلات سطحية لا تسهم في كسر الحصار المفروض على القطاع، وهي تستعين بأطراف إقليمية ودولية لتمرير هذه السياسة، فتشتري من الفلسطينيين وقتاً يوصلها إلى يوم التاسع من أبريل، حيث ذهاب الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع، الأمر الذي قد يمهد الطريق لفوز اليمين برئاسة نتنياهو، وفق ما يعتقد، على اعتبار أن غزة باتت مطروحة على طاولة البرامج الانتخابية الإسرائيلية بقوة.
أدرك كم أن خيارات الفلسطينيين ضيقة، وتزداد ضيقا في ظل إقليم يبدو أنه مشارك في إحكام الضغط عليهم في أسوأ الظروف، أو أنه مصاب بالعجز أمام (إسرائيل) في أحسن الأحوال، وفي كلتا الحالتين يتبدى أن الخيار القائم أمام الفلسطينيين لا يتعدى الانتظار القاتل إلى حين حصول تطورات لا أحد يعلم مصدرها.
من باب التذكير فقط: فقد لجأت (إسرائيل) إلى خيار "المعركة بين الحروب" لمواجهة تعاظم القوى المعادية لها في المنطقة، فلا هي منحتهم الأريحية الكاملة لتثبيت وجودهم، وزيادة تسلحهم، بمنأى عن أي ملاحقة، ولا أشعلت حربا ضارية في جبهات ساخنة جدا، وبذلك فقد اصطادت عدة عصافير بحجر واحد.
رغم خطورة هذه الصيغة العسكرية، واختلاف الظروف بين كل جبهة عسكرية وأخرى، وصعوبة التعميم على باقي الجبهات، لكن صانع القرار في مثل هذه الظروف التي يحياها الفلسطينيون لا يفاضل بين الخير والشر، بل بين خير الخيرين وشر الشرّيرين..