لعل الوضع السائد من نقص الرواتب، وتأخر استلامها كان له أثر سلبي، وتأثير نفسي في معاملة المدرسين للطلبة، فيدخل بعضهم الصف الدراسي وليس لديه سعة صدر، وسريع الانفعال، فلا يطيق أن يسمع همسًا في الصف، وليس لديه نفس لإعادة شرح الدرس كما كان في السابق يُعيد ويُكرر حتى يتأكد من فهم جميع الطلبة، فتأخر الرواتب ونقصها له تأثير نفسي على معاملة المدرسين للطلبة وعدم تحمل حركة الأطفال الزائدة.
رئيس قسم الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في الإدارة العامة للصحة النفسية إسماعيل أبو ركاب قال: "بداية يعد المال عصب الحياة، ومن المؤثرات الأساسية في المزاج العام لأي مجتمع، ولذلك تأثير نقص الرواتب يوثر على شريحة كبيرة من الموظفين ومقدمي الخدمة الصحية والتعليمية".
وأشار إلى أن لها انعكاسا خطيرا على كمية الدافعية لدى هؤلاء الموظفين، فنجد العصبية وردة الفعل المبالغ بها من مقدمي الرعاية الصحية وينعكس على المرضى بالعيادات والمستشفيات، وفي ذات الصعيد فإن المدرس هو في المقام الأول أب ورب أسرة، وعليه التزامات كبيرة، مضيفًا: إن نقص المال أو الرواتب يقلل من دافعيته ويفقده التركيز ويزيد من اللامبالاة وكل ذلك ينعكس على الطالب.
وأوضح أبو ركاب أن العملية التعليمية تتميز عن غيرها بأن تأثير علاقة الطلاب بالمدرس علاقة فكرية وعاطفية، فإذا أحب الطالب المدرس أحب المادة، والعكس صحيح، ففقدان العاطفة والدافعية تفقد العملية التعليمية رونقها وأهميتها، ويختلف هذا التأثير باختلاف المدرسين وطبيعة شخصياتهم وثقافتهم والتزامهم الديني والأخلاقي.
وتابع حديثه: "فقلة الرواتب تؤدي إلى خلل في الموازنة المالية، وخلل في الاتزان النفسي، فالعدوانية وزيادة الضغط والتهيج النفسي، والقلق من المستقبل، واضطرابات النوم؛ كل هذه الاشكاليات التي من الممكن أن تصيب المدرس وغيره من الموظفين وتنعكس مباشرةً على أسرته كجزء من ردة الفعل وتنعكس على الطلاب داخل الفصل كجزء آخر".
ولفت أبو ركاب إلى أنه لا ننسى أن الطالب نفسه يتعرض للضغط النفسي داخل أسرته لنفس السبب، وهو نقص المال والرواتب، ولذلك زيادة كمية الضغط النفسي على الطالب من داخل الأسرة ومن داخل المدرسة يزيد من حدة التوتر والعدوانية وفقدان التركيز أيضًا.
ونبه إلى أن كل شخص داخل المدرسة وخارجها يبحث عن كبش فداء ليفرغ فيه شحناته السلبية، فنجد المدير يزيد من عصبيته على المدرسين، والمدرسين يزيدون من عدوانيتهم وعصبيتهم على الطلاب، والطالب الأكبر سنًا يفرغ مكبوتاته على الأصغر منه، وهكذا تدور عجلة العدوانية وردة الفعل داخل المجتمع.
ويعتقد أبو ركاب أن جلسات الإرشاد النفسي والتفريغ الانفعالي، وتقدير وضع هؤلاء المدرسين من إداراتهم داخل المدرسة، وإداراتهم العليا، واستخدام أسلوب التعزيز والدعم المعني، كل ذلك يحدّ، ويقلل من الضغط النفسي الذي يعاني منه المدرسون، ولكن لا يزيله لأن المشكلة ما زالت قائمة، وهنا يمكن أن نناشد أصحاب القرار بضرورة تجنيب المؤسسات التعليمية من أي تجاذبات سياسية لأن المصير كارثي على مستقبل أطفالنا وطلابنا.