في ما يفترض أنها ليلة هادئة ليوم الجمعة الأخيرة من شهر ديسمبر المنصرم، لكن هذا الهدوء سرعان ما تبدد عبر طرق عنيف على باب منزل عائلة الشهيد رياض بدير، إنهم أفراد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، والهدف هو اعتقال الشاب القسام بدير، في حلقة جديدة من مسلسل بائس اسمه الاعتقال السياسي في الضفة الغربية.
ويتزين هذا المنزل بوجود 4 أشقاء هم عبد الفتاح واسلامبولي وسيد قطب والقسام، وهي أسماء لأعلام من الحركة الاسلامية اختارها الوالد الشهيد رياض لأبنائه، وهو الذي قاد معركة مخيم جنين في العام 2002، فما عاد إلى بيته إلا وهو محمول على الأكتاف وقد خرج بنفسه ليجاهد واشترى سلاحه بماله فلم يرجع منهما بشيء، فكان أكرم الشهداء كما نحسبه.
وكانت هذه العائلة تظن أنها ستقع موقع التكريم والحفاوة من السلطة لأن رب الأسرة قضى شهيدا، لكن هذا الظن قد جانبه الصواب، فأصبح الأشقاء الأربعة ضيوفا شبه دائمين على سجون أمن السلطة، والمضحك المبكي أن أفراد الأجهزة الامنية في كل مرة يقتحمون المنزل لاعتقال أحد الاشقاء، فإنهم يترحمون على الوالد الشهيد وينصحون الأبناء بأن يكونوا "عاقلين مثله" حتى لا يطالهم الاعتقال، علما أن الوالد الشهيد لم يسلم من الاعتقال السياسي هو أيضا!!
ويسرد النجل الأكبر عبد الفتاح تفاصيل قصتهم مع الاعتقال السياسي المشئوم، فيذكر أن والده الشهيد رياض قد ذاق مرارة الاعتقال على يد من يفترض بأنهم أشقاء البندقية ورفاق الدرب، فاستضافته زنازين أمن السلطة في أكثر من مرة، بل ومنذ الشهور الأولى لعودتها للأراضي الفلسطينية، فمضى صابرا محتسبا، برغم أن صحته اعتلت وتدهورت بسبب الاعتقال.
ويوضح عبد الفتاح أن كأس الاعتقال السياسي المسموم قد دار على الأخوة جميعا، وكانت الوالدة الصابرة "أم العبد" في كل مرة تودعهم بكلمات الصبر ووجوب الاحتساب، وفي أحد المرات صادف أن 3 على الأقل من أبنائها كانوا رهن الاعتقال السياسي في ذات الوقت.
ويصف عبد الفتاح مشاعر أمه التي كانت اللوعة تكوي قلبها مع كل عملية اعتقال، وكأن أبناءها يُعتقلون لأول مرة، فهي وإن بدت دوما صابرة متجلدة، إلا لن عاطفتها الجياشة تجاه أبنائها تغالبها فتستدر دموعها كلما غاب أحد أبنائها عن البيت معتقلا لدى الاحتلال أو السلطة.
ويشرح الشقيق الأكبر حال الأسرة في غياب الأبناء، فيذكر أن زوجة شقيقه اسلامبولي قد جاءها مخاض الولادة في يوم كان من المفترض أن يخرج زوجها من سجون السلطة، الا أن الأجهزة الامنية تلكأت في الافراج عنه، فوضعت الزوجة جنينها والوالد رهن الاعتقال، الأمر الذي أورثه في حينها حزنا وخوفا على زوجته وجنينها، ولم يكن أمامه الا الدعاء واستمطار العون من الله في موقفه العصيب ذاك.
ويذكر عبد التفاح أن طريقة الاعتقال في حد ذاتها تمثل عملية متكاملة لإنزال العقاب النفسي بحق الأسرة كلها، فالطرق بشكل عنيف على باب المنزل واقتحامه والصراخ والشتائم واقتياد الابن المعتقل وغيرها من السلوكيات المشينة، فإنها تترك ندوبا نفسية على الأم الصابرة والأطفال الذين يرون والدهم مقيدا معصوب العين مُقادا تحت سيف القهر دون أي سبب أو جريمة، هذا بدلا من تكريمهم لذكرى والدهم الشهيد!!.
ويبين أن الاعتقال الأخير لشقيقه القسام، أواخر ديسمبر الماضي كان بمداهمة المنزل ليلا وإخضاعه للتفتيش الدقيق والعبث بمحتوياته ومصادرة أجهزة الكترونية شخصية كأجهزة اللاب توب والهواتف المحمولة، وما يعنيه ذلك من انتهاك لخصوصية العائلة والمعتقل بشكل مهين.
وتتلقف الحديث زوجة "القسام"، فتتحدث بحزن أن زوجها المعتقل يمكث في السجن دون أن يرتكب أي جريمة أو يأتي بجناية تستوجب العقاب.
وفي غمرة حزنها تخبرنا انها تمكنت من زيارته قبل أيام ورأته وهو في صحة جيدة ومعنوياته مرتفعة، فهو هو منذ أن ارتبطت به، قوي الشكيمة عزيز النفس، وقد ذاق ما ذاق من الاعتقال السياسي الذي حرمه فرحة الزواج قبل أعوام، حينما تم اعتقاله قبل الزفاف بعشرة ايام، ولكنه وكما في كل مرة، ينال الاعتقال من الجسد.. لكن الروح ما زالت على عهد الوالد الشهيد .. تتسلح بالصبر والايمان الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.