فلسطين أون لاين

"​المسنة" سهير البرغوثي تلحق بأسرتها.. سجن بلا لقاء

...
صورة أرشيفية
رام الله-غزة/ نبيل سنونو:

"أيتها المسنة المريضة بالسكر والضغط فزي عن مكانك إلى هناك.. إلى غياهب السجون"؛ ربما كانت هذه الكلمات التي خاطبت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي الستينية سهير البرغوثي "أم عاصف"، عندما كانت آمنة فجرًا في منزلها الخالي من أبنائها وزوجها الأسرى.

كأن قوات الاحتلال حكمت على أسرة البرغوثي أن تعيش حياتها متنقلة بين السجون، وتلقي الأخبار المفجعة باستشهاد أبنائها أو أسرهم.

وحتى ابنها صالح العشريني وُلد بينما كان أبوه عمر البرغوثي في السجن، وقد أمضى هناك 25 سنة بينها 10 سنوات في الاعتقال الإداري.

وهذا صالح كان يعمل سائقا لمركبة عمومية، لا هم له سوى أن يكسب رزقه ويأتي لطفله قيس ابن الأعوام الثلاثة باحتياجاته ومستلزماته، وأن يرى وطنه خاليا من المستوطنات والاحتلال.

"اتصل أحدهم بأبيه قال له: صالح اعتقلوه (قوات الاحتلال) وأوراقه في السيارة، تعال خذها، ولما وصل إلى هناك طوقت قوات الاحتلال الخاصة السيارة واقتادوها وكانوا قد اعتقلوا الشاب"، كلمات روتها المسنة سهير، في يوم حادثة إطلاق النار على مركبة ابنها في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

تداعى الناس إلى منزل أسرة "أم عاصف"، وهناك حشرتهم قوات الاحتلال وبدأت بإخراجهم فردا فردا، ومن المواطنين مَن تعرض للضرب والتنكيل والإصابة الجسدية من "الكلبشات".

أما "أبو عاصف" فأجبرته قوات الاحتلال آنذاك على القعود خارج المنزل، رغم الطقس البارد، وخلال ذلك علم باستشهاد صالح.

وتسكن هذه الأسرة في قرية كوبر شمال غرب رام الله المحتلة، بينما اعترضت القوة الخاصة الاحتلالية مركبة صالح في شارع سردا شمال رام الله ليفاجأ بإطلاق نار تجاهه.

صبت قوات الاحتلال النار على غضب "أبو عاصف" عندما تمادت في جرائمها واعتقلته برفقة نجله الأكبر عاصف الذي أمضى 13 سنة في سجونها.

وباعتقال عاصم ومحمد في الأيام الأولى من يناير/كانون الثاني الجاري، وهما شقيقا صالح وعاصف، صارت الأسرة جميعا أسيرة باستثناء "أم عاصف".

وليثبت أكثر أنه متعطشٌ لدماء الفلسطينيين الأبرياء، والاستيلاء على ممتلكاتهم في أرضهم، وقع جيش الاحتلال ممثلا بما يسمى مسؤول المنطقة الوسطى العسكرية، أول من أمس، أمر هدم منزل الأسير عاصم.

وحتى قرار ما تسمى محكمة "عوفر" العسكرية القاضي بإطلاق سراح الأسير محمد (17 عاما)، أعاقت نيابة الاحتلال العسكرية تنفيذه.

وفي سجون الاحتلال يقبع أيضًا الأسير نائل البرغوثي وهو شقيق "أبو عاصف"، ويعد أقدم أسير فلسطيني.

الأم في قبضة الاحتلال

فجر أمس، تحت جنح الظلام تسللت قوات الاحتلال المسلحة إلى منزل "أم عاصف" (لها ابنتان متزوجتان).

طرقت القوات الاحتلالية الباب ثم دهمت المنزل الخالي من أهله باستثناء المسنة المصابة بمرضى السكر والضغط، وهناك استجوبتها لـ15 دقيقة.

تقول إيمان نافع زوجة الأسير نائل البرغوثي: قوات الاحتلال اعتقلت "أم عاصف" بلا تهمة، واقتادتها إلى سجن "عوفر" حيث تستجوبها.

ويفيد شهود عيان بأن قوات الاحتلال نقلت المسنة سهير من جيب عسكري إلى آخر خلال الطريق إلى سجن "عوفر"، حيث ظن البعض أنها أفرجت عنها لكنها لا تزال فعليا قيد الاعتقال.

وجاءت مداهمة منزل البرغوثي بعد اقتحامات عدة نفذتها قوات الاحتلال ليلا في مدن الضفة الغربية المحتلة، تخللها مداهمات للبيوت وتكسير أبوابها وتهديد بالاعتقال والإبعاد لمواطنين بعنف وهمجية.

وتضيف نافع لصحيفة "فلسطين" أن أربع دوريات احتلالية نفذت المداهمة، ويُعتقد أنها زرعت أجهزة تنصت في منزل أسرة البرغوثي قبل أن تقتاد أم عاصف، عند السادسة صباحا إلى الأسر، التي يقبع شقيقان لها في السجن أيضًا.

وتقع هذه الأحداث وسط مخاوف من أن يتعرض منزل الأسرة للهدم، إذ إن ما تعرف بمؤسسة "هموكيد" تسلمت قرار هدم منزل الشهيد صالح الذي هو عبارة عن شقة إلى جوار شقة أهله لكنهم لم يتسلموا القرار بأنفسهم بعد.

"إن هذا هو احتجاز تعسفي"؛ يؤكد ذلك رئيس مجموعة الحق والقانون في فلسطين غاندي ربعي.

يقول ربعي لصحيفة "فلسطين": إن (إسرائيل) تتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم دون شخصية قانونية في مواجهة الاحتلال.

ويلقي ربعي باللوم في ذلك على المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التي يرى أنها "فقدت بوصلة مواجهة الاحتلال بشكل قانوني في ظل سكوت المجتمع الدولي تجاه ما ترتكبه (إسرائيل) من انتهاكات جسيمة بحق المواطن الفلسطيني".

ويتابع: نحن (المؤسسات الحقوقية) نتحمل مسؤولية، لأن دورنا ليس ورش عمل وتوصيات لا ينفذها أحد –وفق قوله- متسائلا: "من منا بادر لإعطاء شخصية قانونية للمواطن في مواجهة الاحتلال؟".

ويفسر ربعي بأن سلطات الاحتلال الموقعة على اتفاقيات دولية معنية بحقوق الإنسان تعد أن هذه الاتفاقيات لا تنطبق على فلسطين، وحتى القوانين التي يصدرها "الكنيست" الإسرائيلي بشأن حقوق الإنسان المزعومة لا يعترف الاحتلال من خلالها بالشخصية القانونية للفلسطيني.

وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، تقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي 51 أسيرة فلسطينية.

ويتمم الحقوقي، بأن الفلسطيني "مستباح" يعتقله الاحتلال ويحتجزه إداريا ويعامله تعسفيا وكأنه لا يعد الفلسطيني إنسانا.

ولا تزال "أم عاصف" كزوجها

وأبنائها خلف قضبان جلاد واحد، تجمعهم معاناة واحدة، دون أن يتمكنوا حتى من اللقاء.