لا توجد مرارة أشد على النفس من مرارة الظُلم والقهر، ولا توجد غربة أقسى من غُربة الإنسان في بيته ووطنه.. شعوب مطحونة مقهورة لا يتوفر لها أدنى مقومات الحياة الإنسانية البسيطة، وحُكّام ظالمون متسلطون بالحديد والنار.. رجال فهموا الرجولة تسلّطا وتجبّرا فظلموا زوجاتهم، ونساءٌ ناكرات للجميل وعشرة العشير.. آباء فرّقوا بين أولادهم في العطاء وحرموا البنات من الميراث.. أرحام قطّعوا أرحامهم من أجل الدولار والدينار وجيرانٌ يسيئون الجوار.. قتلٌ وسجن وتعذيب وتشريدٌ وإبعاد من ذوي القُربى والأعداء..
الظُلم ظُلمات يوم القيامة، بل إنَّ الله (تعالى) يُعجّل للظالم عقوبته في الدُنيا إن لم يتب ويردَّ الحقوق إلى أصحابها، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "ما من ذنبٍ أجدر أن يُعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا على ما يدَّخره له في الآخرة من البغي (الظُلم) وقطيعة الرحم". وقال عليه الصلاة والسلام: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ".. يقتص الله (تعالى) يوم القيامة من الشاة القرناء التي اعتدت على الشاة الجلحاء (التي لا قرون لها)! فماذا سيفعل الله (تعالى) بمن ضربوا الناس بالسياط وعذبوهم بكل وسائل التعذيب ظُلماً وعدواناً؟! ماذا سيفعل الجبّار بمن جوَّعوا شعوبهم ونهبوا خيرات بلادهم؟! ماذا سيفعل المُنتقم بمن سفكوا الدماء وقتلوا الأبرياء من الشيوخ والشباب والأطفال والنساء؟! ماذا سيفعل القهّار بمن حاصر المسلمين وأغلق عليهم المعابر ومنعهم من حرية السفر للعلاج والتعليم والعمل؟! ماذا سيفعل العزيز بمن أذل الناس وأهان كرامتهم؟!
العدل أساس المُلك.. فعندما جاء أسامة يشفع للمخزومية التي سرقت، قال له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت مُحَمَّد سرقت لقطع محمد يدها"، وعندما ضرب ابن حاكم مصر القبطي ظُلماً وعدواناً قال عُمر بن الخطّاب: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!"، وقال للقبطي: "اضرب ابن الأكرمين كما ضربك".
لقد أمرنا الله (تعالى) بالعدل بين الناس حتى مع الخصوم ومع من نبغض، فقال: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}. وقال الله (تعالى) في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرّمت الظُلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا"، وقال عليه الصلاة والسلام: "ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول: وعزتي لأنصرنّك ولو بعد حين". وقال ابن تيمية: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة".