فلسطين أون لاين

​حرية على جدار الجهل


"حرية المرأة" هذا المصطلح الذي ظلّ معقدًا شائكًا كأنه مجردٌ من التعريف، كأنه أُحجيةٌ لا حل لها داخل أُحجيةٍ أكبر، وهي مفهوم "الحرية" عامة، الحرية التي هي ليست إلا دوامةً داخل مستنقعٍ قذر، فخًّا للوقوع داخل متاهة لا مخرج منها سوى مزيد من الدورانات حتى يصبح العقل عاجزًا منشلًّا عن التفكير.

خلال السنوات القليلة الماضية تراوحت أخبار المرأة بثلاثة ألوان: اللون الأسود للمضطهدات المعنفات، واللون الوردي للطموحات اللواتي تسلقن جبال المجد، ونحتنَ أسماءهن على القمة، أما اللون الثالث فهو اللون الرمادي للواتي ركضن نحو مصطلح "حرية المرأة"، كجائعاتٍ على مائدة طعام تحمل ما لذ وطاب، أكلنَ من كل الأصناف بشراهةٍ، ثم اشتكين تلبكًا في المعدة.

في الحقيقة: الفئة الأخيرة تعتقد أنها تحاول الوصول إلى اللون الوردي بتغطية اللون الأسود؛ برأيي أن هذه الفئة ليست على صواب، ولكن هذا لا يعني أنها على خطأ أيضًا، فاللون الرمادي يأتي بين اللونين الأسود والوردي، وكثير من الألوان أيضًا، حتى إنه أقرب إلى اللون الأسود أقرب منه إلى اللون الوردي؛ الفئة الأخيرة دهنت الطلاء الوردي دون أن تمسح اللون الأسود.

ربما إلى الآن كلامي ليس واضحًا، فسأوضح لكم: الحركات النسوية التي ظهرت في السنوات الأخيرة ترفع شعاراتٍ براقة تحت مصطلح "حرية المرأة"، التي كانت إحداها: "المرأة خُلقت من ضلع آدم لتكون إلى جواره" فالمرأة تمامًا كالرجل، مع الاستناد كذلك إلى الحديث الشريف: "النساء شقائق الرجال"؛ فهذا الكلام صحيحًا لا غبار عليه، لكن الخطأ يكمن في الحرية التي وصلنا إليها دون التفكير هل طُبق الحديث السابق فعلاً، وأصبحت المرأة فعلًا بجوار الرجل أم لا؟

في البداية سأتحدث عن حواء الرمادية، ثم سيكون جوابي عن السؤال السابق في مقال لاحق، الأنثى الرمادية التي تعتقد بمصطلح "حرية المرأة" أنها ستبرأ من داء ما يسمى "هيمنة الرجل وسطوته" الذي انتشر من فيروس العادات والتقاليد الخطأ، وغالبًا يعزى مصدره إلى الدين؛ فهنا كانت مشكلتنا الأساسية أننا نخلط بين العادات والتقاليد والدين، نشأنا على مصطلح "عيب" لا مصطلح "حرام"، وهذا بحد ذاته كان ظلمًا للدين أكثر من المرأة، وشتان ما بين الأرض والسماء، وما بين الثرى والثريا، وأنى لضوء ساطع أن يحجب الرؤية؟!

حواء الرمادية اعتقدت أنه عليها إثبات نفسها بإبراز جمالها الفاتن، اعتقدت أن الخروج عن السِرب هو تصريح بالحق في فِعل أي شيء تهواه دون رقابة ودون حدود، فصرّحت لنفسها بخلع الحجاب، وشرب الكحول والمخدرات، وأكل لحم الخنزير، وكثير من المنكرات الشرعية التي ليس فقط نراها -المسلمين- محرمة؛ بل تُشعرنا بالاشمئزاز حين نسمع بها، تلك الحرية النكرة عن التعريف، الغامضة المعالم، الرمادية اللون التي تبتر الفِكر، وتجعل الإنسان دون قيمة، كمجرد حيوان يلهث خلف أهوائه، {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)} سورة الفرقان.

أتعجب كثيرًا من فتيات خلعنَ الحجاب بعد سفرهن إلى الدول الأوروبية؛ فإنهن بذلك تخلين عن شيء خُصصن وتميزن به، حسب رأيي، بل كان الأجدر بهن أن يتفاخرن بميزة اصطفانا الله بها بنات حواء، كل الهدايا جميلة، لكن الهدايا المغلفة أجمل وأقيم، الكتاب دون غلاف ستجهل عنوانه، والحجاب عنوان العفة في جميع الأديان، بالحجاب نكون عنوانًا للأنوثة القيمة.

يا للأسف!، إن الحرية باعتقاد الأنثى الرمادية هي الهروب من إطار العادات والتقاليد، ونزع رداء الدين، والتنصل من عقائده الواضحة بنصٍّ صريحٍ من القرآن العظيم والسنة النبوية، الحرية لا تعني أبدًا أن نفعل ما نشاء؛ فلكلٍّ حدود وآداب.