يتواصل الجمود السياسي الفلسطيني الإسرائيلي منذ ما يزيد عن أربع سنوات، فيما يستمر تنسيقهما الأمني، وهو أمر يدعو للدهشة والاستغراب، رغم تزايد الدعوات لوقف هذا التنسيق الذي يخدم الاحتلال: جيشاً ومستوطنين.
لكن جانباً جديدا من جوانب المواجهة الثنائية دخل على الخط منذ أسابيع، تمثل بقرارات الحكومة الإسرائيلية باقتطاع مبالغ كبيرة من الضرائب التي تنقلها للسلطة الفلسطينية، عقابا لها على دفع مستحقات الأسرى والشهداء، وتكون وزارة الحرب ملزمة بتزويد الحكومة ببيانات حول نطاق هذه الرواتب والمستحقات، ويلزم وزارة المالية بخصم المبلغ من الإيرادات الضريبية التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية.
شهدت الأسابيع الأخيرة قيام الجهات الأمنية والمالية الإسرائيلية بجمع البيانات لمعرفة المبالغ الدقيقة التي يدفعها الفلسطينيون لعائلات الشهداء والأسرى، كي يتم تنفيذ الخصم، رغم القلق الذي تعبر عنه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن تخفيض الميزانية سيضر باستقرار السلطة الفلسطينية، بما يتعارض مع المصلحة الإسرائيلية.
يأتي القانون الإسرائيلي الجديد عقب إصدار الحكومة الإسرائيلية قبل أسابيع قرارا يقضي بحجز أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة)، لصالح تعويض عملاء تعاونوا معها، حيث تم مراسلة وزارة المالية الإسرائيلية من أجل حجز أموال الضرائب الفلسطينية التي تجمعها، حتى تدفع السلطة الفلسطينية مبلغ 14 مليون شيكل، ما يقارب أربعة ملايين دولار، وقد جاء قرار الحجز على أموال الضرائب الفلسطينية بعد رفض السلطة الفلسطينية دفع تعويضات لـ52 فلسطينيا اعتقلوا في سجونها بتهمة التعاون مع إسرائيل.
اللافت في هذه الخطوات "السياسية" الإسرائيلية أن الجهات "الأمنية" الإسرائيلية تبدي قلقها من القرارات الحكومية ، لأنها ستلقي بظلالها السلبية على مستقبل التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، كما أن الاستمرار في خنق السلطة الفلسطينية سيؤدي إلى انفجار العنف، وبالتالي فإن جزءا من العجز في الموازنة الفلسطينية قد تضطر إسرائيل إلى ملئه.
الأحجية التي تسعى إسرائيل إلى حلها تتمثل في الاستمرار بمعاقبة السلطة الفلسطينية مالياً تحت تأثير المزاودات الانتخابية من جهة، ومن جهة أخرى، الخشية من التسبب بتفجير موجة جديدة من التوتر والتسخين في الساحة الفلسطينية، وفي هذه الحالة فإن المكلفين بكبح جماح أي مقاومة فلسطينية سيكونون مكشوفي الظهر، في ظل اقتطاع رواتبهم، رغم استمرار تباهي السلطة الفلسطينية بأنها تقوم بالتنسيق الأمني، وتتلقى بسببه انتقادات داخلية بين الفلسطينيين، لكونها تتعامل مع إسرائيل، وتنفذ من أجلها مهام أمنية.
تبدو إسرائيل منقسمة على نفسها إزاء تجفيف منابع السلطة الفلسطينية المالية، فهي تسعى تدريجيا للتحلل من أي التزامات مالية تجاه الفلسطينيين من جهة، وفي الوقت ذاته لديها قناعة متزايدة أن الرد الميداني على هذه الاستقطاعات المالية سيتمثل في اندلاع موجة مواجهات قاسية في الضفة الغربية.