تحت أرنبة أنف القيادة الفلسطينية، وعلى بعد أمتار من حدودهم الشرقية، عقد وزراء خارجية ست دولة عربية اجتماعهم الخطير والمدجن، والهادف إلى مناقشة قضايا المنطقة والسلام كما قال وزير خارجية الأردن، الذي وصف اللقاء بأنه تشاوري بلا جدول أعمال، تناول المصالح العربية المشتركة بهدف تحقيق الأمن والاستقرار وخدمة القضايا العربية.
فهل خرجت فلسطين عن التشاور؟ وهل بهت لون القضية حتى صار غيابه لا يؤثر في الحضور وعلى مستقبل المنطقة؟ وهل صارت تساوي حضور منظمة التحرير من غيابها؟
أسئلة يجب أن تجيب عنها المقاطعة في رام الله، وأن تسأل نفسها صباح مساء، لماذا يستخف الجميع بالقضية الفلسطينية، لماذا لم تعد نقطة التقاء واهتمام العرب واليهود، حتى أن مرشحي الأحزاب الإسرائيلية للانتخابات قد تجاهلوا القيادة الفلسطينية، فتطرق المرشح بني غينتس لحركة حماس وحزب الله والسنوار وحسن نصر الله وإيران، وغابت السلطة عن اهتمامه.
غياب القيادة الفلسطينية عن اجتماع البحر الميت في الأردن يعيدنا إلى التاريخ، حين طمعت إسرائيل وأمريكا في تهدئة الأوضاع الملتهبة في الضفة الغربية وغزة سنة 2003؛ في أثناء الانتفاضة الأقصى، عقدت قمة العقبة بمشاركة رئيس الوزراء الفلسطيني وقتئذ محمود عباس وكل من الرئيس الأمريكي بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي وقتئذٍ شارون، في تلك الليالي التي كان فيها أبو عمار محاصرًا في مقاطعة رام الله.
لقد تغيرت الأحوال، ولم تعد الضفة الغربية قطعة من غضب، تفرض على أمريكا وغير أمريكا أن يتوسل التهدئة، لذلك صارت الرؤية الأمريكية تقوم على حل الملف الفلسطيني من خلال توطيد العلاقة بين إسرائيل والدول العربية، وهذا ما جاء في البنود التسعة التي عرضها جيسي جرينبلات على محمود عباس في مارس سنة 2017.
لقد غابت فلسطين عن اجتماع البحر الميت رغم تطرق وزراء خارجية العرب إلى المؤتمر الذي سيناقش مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط في العاصمة البولندية وارسو، يومي 13 و14 الشهر الحالي، حيث أكد المبعوث الأمريكي أن قمة وارسو ستناقش مجموعة من الملفات المهمة في منطقة الشرق الأوسط، من بينها تطوير الصواريخ الباليستية، والإرهاب، والأزمات الإنسانية، والأمن الإلكتروني، إضافة إلى ملفي سوريا واليمن.
فأين هي القضية الفلسطينية؟ لماذا صار تجاهلها؟ ولماذا تغيب عن الملفات المطروحة للنقاش في المجتمعات الدولية؟ وإلى أين سيأخذ هذا الإهمال للملف الفلسطيني مستقبل الأرض الفلسطينية التي يغتصبها المستوطنون، ولم تعد تثير اهتمام الحكومات في المنطقة؟
بالعودة إلى التاريخ القريب، وللتذكير، لقد تقدمت أمريكا بخارطة الطريق لإقامة دولة فلسطينية حتى سنة 2005، في محاولة منها لامتصاص نقمة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني ضد الغزو الأمريكي للعراق، ولتهدئة الأوضاع في الضفة الغربية وغزة، ولكن حين اطمأنت أمريكا على الأمن الإسرائيلي سنة 2019، فلم تعد بحاجة لتقديم أي مبادرات لصالح فلسطين.