فلسطين أون لاين

​لؤي أحمد ثلاثيني لم تُعقه إصابته عن تحقيق ذاته

...
لؤي أحمد - تصوير رمضان الأغا
غزة/ صفاء عاشور


لم يكن طفلًا فقيرًا طحنته الحياة ليصل إلى المستحيل، ولم يولد في فمه ملعقة من ذهب حتى يسوغ أحد ما وصل إليه من نجاح حتى الآن، ولكن الأمر يعود إلى إصرار ورغبة عميقة في أن يكون شيئًا في هذا المجتمع، وليس عالة عليه.

لؤي أحمد (31 عامًا) رجل أعمال فلسطيني سويدي، ولديه العديد من الشركات، ثلاثة منها تعمل في قطاع غزة منذ 2011م, يقيم في السويد منذ 2013م حتى الآن، ويتنقل بين الكثير من العواصم الأوروبية والعربية ليباشر أعماله، ربما يكون شيئًا عاديًّا لشخص عادي، ولكن لؤي قعيد لا يستطيع الاستغناء عن كرسيه المتحرك لفقدانه القدرة على الحركة.

قبل ثمانية عشر عامًا كان لؤي يتجول في الأسواق خلال الإجازة الصيفية يحاول بيع الملابس التي جلبها من بعض التجار، والاستفادة من المربح الذي سيتحقق من ورائها، وتنقل بين حرف وأعمال أخرى، ومنها في محل لتنظيف الدجاج مع أحد أقاربه.

عام تلا عام، وإجازة تلت إجازة، ولم يكن لؤي ليكتفي بتجربة عمل واحد؛ بل تعددت الأعمال وزادت الخبرات، وأصبح اسم لؤي أحمد معروفًا بين التجار الذين أصبحوا يكنون له الكثير من الاحترام والحب والرغبة في التعامل معه.

لم يبق الوضع ورديًّا عند لؤي؛ فلما بلغ السادسة عشرة أصيب برصاصة أطلقها أحد جنود الاحتلال الإسرائيليين في بطنه خرجت من ظهره، وتسببت هذه الرصاصة للؤي بإعاقة منعته من المشي.

أمر غريب لم يتخيل لؤي أن يحصل له في يوم من الأيام، ومحنة خفف من وطأتها زيارة الشيخ أحمد ياسين إليه في المستشفى بعد إصابته؛ إذ رآه لؤي نموذجًا ناجحًا ليحقق الشخص أي شيء يحلم به.

فأحمد ياسين لم تمنعه الإعاقة الحركية من تحقيق وتأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، هذا النموذج ساهم كثيرًا في إخراج لؤي من أزمته التي لم تطل، وبدأ بالعودة لاستكمال دراسته ودخول الجامعة التي لم يواجه فيها أي صعوبات.

وقال خلال حديثه لـ"فلسطين": "لم أحتج لمدة طويلة حتى أؤمن أن ما حصل لي هو ميزة، وأني سأكون سعيدًا بما عوضني الله به من قدرة على التفكير والإدارة والتخطيط"، لافتًا إلى أن الله عندما يأخذ من الإنسان شيئًا يعوضه بشيء يوازيه أو أكثر قيمة منه، إذا رضي بقضاء الله.

وإن كانت الإصابة منعت قدمي لؤي من السير والحركة؛ فإنها لم تمنعه من استخدام عقله والتفكير رياديًّا في إنشاء العديد من المشاريع، التي كان أولها مشروعًا يُشغل 40 معاقًا من بيوتهم؛ حتى لا يكونوا عالة على أسرهم.

وبين أن هذا المشروع هدف إلى تجهيز وجبات فطور وغداء لما يقرب من 15 ألف طالب وطالبة منضمين إلى المخيمات الصيفية لتحفيظ القرآن الكريم، مشيرًا إلى أنه تسلم المشروع قبل أن يبدأ بأربعة أيام.

وذكر أحمد أنه عاش مرحلة صعبة لم يذق النوم فيها إلا ساعات معدودة، إلا أنه بالتخطيط الجيد والإدارة الصحيحة للمشروع نجح فيه، واستمر في العمل بالمشروع مدة ثلاث سنوات متتالية.

وخلال هذه المدة تمكن لؤي من الدخول في مشاريع متعددة، جعلته يمتلك رأس مال جيدًا، وهو لم يتجاوز 22 عامًا، استدرك: "ولكن التجارة مكسب وخسارة، ولما تذوقت طعم المكسب جاء الوقت لتذوق الخسارة".

وأكمل: "خسرت جميع ما أملك دفعة واحدة بعد الخسارة التي لحقت بالكردي والروبي، ولم يكن الأمر سهلًا لتعود إلى الصفر وتصبح لا تملك شيئًا، أيضًا مشاريعي التي كنت أعمل فيها تضررت كذلك في حرب 2008م".

وعاد لؤي بفكرة ريادية جديدة على الشارع الفلسطيني، وأنشأ شركة "أكورد" لتيسير الزواج، وهي شركة خاصة غير مدعومة من أي طرف: حزب أو جمعية، ولا مدعومة دعمًا خارجيًّا، وكان الأمر يحتاج إلى كثير من الدراسات والتجهيزات.

ونبه إلى أن ميزانية المشروع كانت تحتاج إلى ما يزيد على مليون دولار، ولكنه لم يكن يملك منها سوى مبلغ صغير جدًّا، ولكن خبراته المتراكمة، وقدرته الكبيرة على الإدارة المالية السليمة، وتمتعه بفكر ريادي مكنته من بدء المشروع.

وبالفعل بدأ المشروع اعتمادًا على قدرته في إدارة السوق، وفهمه احتياجاتها، وعلاقاته بالتجار، والثقة المتبادلة بينهما.

طموح لؤي لم يقف عند حدود غزة، بل اتجه ناحية السويد التي سافر إليها، حيث يعيش تجربة السفر والعلاج والعمل في آن واحد، وقال: "السفر إلى السويد وبدء العمل بها كان فيه كثير من الأريحية، خاصة أني استطعت الانخراط في بيئات عمل متعددة في العديد من الدول، واكتساب مهارات جديدة".

وأضاف: "حرصت خلال هذه المدة على اكتساب العلم، ومواكبة النظريات التي تساهم فعليًّا في تطوير أعمالي، وسرعان ما استطعت نقل تجربتي إلى قطاع غزة، وافتتاح العديد من الشركات داخله وخارجه".

فقبل عامين تمكن لؤي من فتح شركته الثانية، وهي شركة "إنكور" لتحصيل الأموال، وكانت أول شركة تعمل في هذا المجال بقطاع غزة، وبدأ العمل بها في 2016م، وتمكنت هذه الشركة من بناء سمعة طيبة بين أصحاب المشاريع والشركات التي كانت غير قادرة على تحصيل أموالها، بإدارتها وإعادة جدولتها.

أما الشركة الثالثة فهي شركة AT Home للأثاث، وأسسها في تركيا، تصنع الأثاث أنواعه كافة ثم تصدره إلى الدول العربية وقطاع غزة، وتمتلك الشركة معرضًا لعرض منتجاتها في القطاع.

ولم تقتصر مساهمات لؤي على أعماله وشركاته، بل امتدت إلى تقديم استشاراته للعديد من الشركات والأشخاص الريادين في فلسطين وخارجها، إذ أنشأ صفحة خاصة به عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لنقل خبراته إلى الآخرين، ولاقت متابعة كبيرة من كثير من الدول.

جدير بالذكر أن لؤي حصل على العديد من الجوائز الدولية والفلسطينية، التي كان آخرها جائزة فلسطين الدولية للتميز والإبداع لعام 2018م، إذ حصل على المركز الأول فيها.

لؤي أحمد نموذج ريادي بامتياز، عصامي استطاع تحويل محنته إلى منحة، يجول بكرسيه المتحرك أقطار العالم ليوصل رسالة: أن الاحتلال لن يستطيع كسر إرادة الشعب الفلسطيني بقتله أو إعاقته حركيًّا؛ فما زال القلب ينبض والعقل يبدع لتأسيس دولة متينة.