لا زال هذا اليوم السادس والعشرين من يناير/كانون ثاني 2006 راسخا في ذاكرة الفلسطينيين، لم يغادرها، ولا أظنه يغادرها قريبا، لأن تبعاته ما زالت ماثلة أمام نواظرنا حتى كتابة هذه السطور، وربما تستمر حتى إشعار آخر، إلا إذا جد في الأمور جديد، وطرأت تغيرات بعيدة المدى على خارطة المنطقة الجيو-سياسية.
في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة عشر عاما أعلنت لجنة الانتخابات الفلسطينية فوز حماس في الانتخابات التشريعية، وفي اليوم ذاته أعلنت (إسرائيل) شروطها التي ما زالت معلنة حتى اللحظة، كي تعترف بالوضع القائم في غزة، ولأن حماس لم تمتثل للشروط الإسرائيلية، فقد ضاق الخناق عليها سياسياً ومالياً، رغم بعض التنفيسات، لكن المطالب لا تزال مشرعة في وجهها، دون مواربة أو تورية، الاعتراف أو الاعتراف، لا فكاك عنها.
هو ذاته منطق القوة الإسرائيلي، يصارع قوة المنطق الفلسطيني، تكرر ذلك في أكثر من مناسبة خلال العقد الأخير، وفي مراحل متعددة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفي بعض الحالات لم يستطع الكف الفلسطيني أن يقاوم المخرز الإسرائيلي، خصوصاً في ظل افتقار الفلسطينيين للظهير العربي عملياً، ولو أن العرب كانوا يرفعون العتب بين الحين والآخر عن أنفسهم بعبارات التضامن التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وكانوا يكفرون عن تقصيرهم هذا بأموال ومنح علها تغفر زلتهم أمام التاريخ.
الحقيقة أن وقائع السنوات الثالثة عشرة الماضية، ومنذ صباح اليوم التالي لفوز حماس في الانتخابات، لم تغير شيئاً ذا مغزى في الإدارة الإسرائيلية لطبيعة علاقاتها مع حماس، باستثناء بعض الملامح العامة، بالإمكان اعتبارها تكتيكات عابرة لم تخرج عن المحددات الأساسية.
لم تكتف إسرائيل وحليفاتها من العرب والعجم خلال السنوات الماضية بالطلب من حماس، تصريحا وليس تلميحاً، بضرورة السير في عملية التسوية المعطلة والمشلولة منذ زمن، كما جرت العادة، لا، بل شدد الجميع على ضرورة انتزاع اعتراف فلسطيني جديد بإسرائيل، لكنه هذه المرة متسلح بعباءة دينية إسلامية، وبالتالي سيكون اعترافاً مجزياً، لاسيما أن حماس تعتبر في بعض أدبياتها أن الصراع مع إسرائيل له جذور عقائدية، وأنه صراع وجود لا نزاع حدود.
ترافق هذا الضغط مع حصار مالي واقتصادي مطبق دون أدنى ثغرات مفتعلة أو عفوية، يزيد من حدة الأزمة الضاغطة على حماس وسكان قطاع غزة، وقد أحكم المحاصرون حصارهم، ويمنعون أي بادرة إيجابية قد ترفع من معاناة الفلسطينيين، وكان آخرها عرقلة وصول المنحة القطرية إلى غزة، وبالتالي لم يعد هناك شك في أن الرغبة متمثلة بعقاب الفلسطينيين على انتخابهم حماس، وهو ما قد يشكل إرهاباً عليهم في الانتخابات القادمة إن قدر لها أن تتم في الأشهر القادمة.