مجددا يدخل الفلسطينيون تحت سطوة المماطلة الإسرائيلية في قضية إدخال المنحة القطرية لإعانة سكان قطاع غزة، سواء بسبب المزاودات الحزبية الانتخابية، أو بزعم حدوث توتر أمني على حدود القطاع، وفي النهاية يجد نتنياهو ضالته، ويعلن وقف صرف المنحة كما كان متفقا بعد طول تأجيل.
يؤكد القرار الإسرائيلي إرجاء صرف الدفعة الثالثة من المنحة القطرية أن إسرائيل لم تتغير، فهي تتبع ذات السياسة التي انتهجها اسحاق رابين مع ياسر عرفات بعبارته الشهيرة "لا تواريخ مقدسة في المفاوضات"، وهو هو بنيامين نتنياهو يعيدها اليوم مع حماس "لا منحة قطرية كما كان متفقاً".
أي معاناة يعيشها المحاصرون المظلومون في غزة، وأي لعب في أعصابهم التي لم تعد تحتمل المزيد من الابتزاز والمساومات، وأي عبث هذا الذي يعيشه الوضع الفلسطيني عموما، وكأنه لا نافذة في الأفق تخرجه مما هو فيه من هذا الانسداد.
لا يملك كاتب السطور وصفة سحرية للخروج من هذا النفق الذي نجد أنفسنا فيه، مع كثرة اللاعبين وتضارب المصالح وتناقض الأجندات، لكن الثابت فيها أن المواطن المطحون يزداد معاناة، والجمهور تتضاعف مأساته، والشعب لم يعد لديه لحم حي يتغذى منه.
تحدثت هذه الزاوية قبل أسابيع أن بدء العد التنازلي لاقتراب الانتخابات الإسرائيلية سيزيد من تأزم الوضع الفلسطيني المتأزم أصلا، ولا يختلف اثنان أن موافقة إسرائيل على إدخال المنحة القطرية كان رغما عنها، وهي المستمرة في حصارها القاتل لغزة منذ ثلاثة عشر عاما تحت شعار "غزة لا تحيا ولا تموت"، لكن رغبتها بشراء هدوء أمني على حدود غزة، للتفرغ لجبهات أكثر خطورة وحساسية، وافقت على المنحة، رغم أنه لم يكن يعني منذ اللحظة الأولى أن تستمر بصورة سلسة، دون عوائق.
تطورات الساعات الأخيرة على حدود غزة تكررت في أسابيع سابقة، ومن المتوقع أن تتكرر في أسابيع قادمة، وسوف تزداد خطورتها مع اقتراب استحقاق الانتخابات الإسرائيلية في نيسان أبريل، الأمر الذي يتطلب مزيدا من الهدوء والحذر والروية في اتخاذ القرار، لأن البديل تصعيد وتصعيد متبادل، قد لا يكون في مصلحة الجانبين، فضلا عن أهل غزة الذين يعيشون حرباً ضروساً أمام محتل غاشم.
جاءت المنحة القطرية بعد عناء طويل، وربما يكون تأخرها يوما أو أسبوعا سيناريو متوقعاً لدى صناع القرار، الأمر الذي يجب ألّا يستفزهم بطريقة من شأنها كسر قواعد اللعبة القائمة، صحيح أن الأمر قد يحتاج إلى وتيرة مرتفعة قليلا، دون أن يستفيد منها العدو لزيادة أسهمه الانتخابية من جهة، ورفع مستوى ردعه من جهة أخرى، رغم أن ذلك لا يمنح الفلسطينيين بوليصة تأمين بعدم تدهور الأوضاع إلى مواجهة ستكون أكثر كلفة عن تأخر المنحة يوما أو أسبوعا!