أحسنت صنعًا التنظيمات الفلسطينية حين أدانت واستنكرت العدوان الإسرائيلي على سوريا، فهذه الإدانة التي تصدر من أرض غزة، فإنها تعبر عن روح الأمة العربية النابض بالتحدي، والرافض لأي انتصار إسرائيلي على أي قوة عربية أو إسلامية، وترفض التسليم للهيمنة الصهيونية على المنطقة، وتعبر عن المصير المشترك للأمة، التي ينطبق عليها المثل العربي القائل: الثاكل تبكي للثاكل، وقد تكون غزة في هذا المضمار هي الجزء الأكثر إحساسًا وتأثرًا بحال العرب والعروبة والإسلام، لذلك فهي الأكثر غضبًا لأي بقعة أرض عربية تتعرض للعدوان الإسرائيلي، وهي التي تمسك براية المقاومة، وتشير إلى الطريق السياسي القويم، المعادي لـ(إسرائيل)، والعاشق لكل مقاوم لـ(إسرائيل)، حتى ولو كان هذا المعادي ماليزيًّا يعترض على مشاركة الرياضيين الإسرائيليين، أو جنوب إفريقي يعادي العدوان الإسرائيلي.
أما التنظيمات الفلسطينية التي أغلقت فمها، ولم تعلن موقفها المعادي والرافض للعدوان الإسرائيلي على سوريا، فعليها إعادة ضبط مسارها السياسي على نبض الشارع العربي، والموقف الشعبي المعادي لغطرسة وجبروت وإرهاب هذه الدولة الغاصبة الغازية.
وعلى الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية قاطبة أن تدقق في منسوب الوطنية لدى أي حكومة أو تنظيم أو سلطة من خلال موقفها من العدوان الإسرائيلي ضد سوريا، وبغض النظر عن الخلافات الداخلية، والصراعات التي لوثت وجه اللوحة العربية المشرقة بالأحاسيس المشتركة، وبغض النظر عما لحق بالشعب السوري من دمار وتشريد وذبح ومعاناة مرفوضه على كل المستويات، فإن الموقف الرافض للعدوان الإسرائيلي على أي قطر عربي هو البوصلة التي تشير إلى القدس، والعكس هو الصحيح، فكل يد عربية تمتد بالتعاون والتنسيق والتفاهم والتواصل والعلاقة الطبيعية مع العدو المغتصب للأرض العربية، هي يد مضللة وتخلط ما بين مصلحة الشعوب ومستقبلها، ومصلحة حكام الشعوب وأحالهم.
العدوان الإسرائيلي على سوريا هو عدوان على الشعب السوري كله، وهو عدوان على الأرض العربية كلها، وهو عدوان على الإنسان العربي، وبغض النظر على المعدات التي قصفت، أكانت إيرانية أو روسية أو تركية أو مصرية، فالهدف من القصف هو تأمين حياة الصهاينة، وتوسيع النفوذ الإسرائيلي في المنطقة على حساب التواصل العربي مع مستقبلهم.
وإذا كان العدوان الإسرائيلي على سوريا يهدف إلى خدمة نتنياهو وحزب الليكود في الانتخابات القادمة كما يدعي بعض الإسرائيليين، إلا أن هذا العدوان يخدم الإستراتيجية الإسرائيلية التي تتعمد تمزيق المنطقة، إستراتيجية مزق الشمال بعيدًا عن الجنوب، وحارب سوريا في ظل علاقات حميمة مع مصر، وحاصر غزة وافتح بوابات العمل لشباب الضفة الغربية، وتآمر على لبنان وقدم المساعدات للأردن، إنها إستراتيجية وحوش الغابة التي تنفرد بكل ضحية على حدة، وهذا ما يحض الأمة العربية والإسلامية على التوحد خلف عداوة الصهاينة، ومصادقة من يعادي دولة الصهاينة، والتنبه إلى نتائج هذه العدوان، والتي سيكون لها بالغ الأثر على مستقبل المنطقة ككل، فإما أن يخضع الشرق بأكمله للمصالح الإسرائيلية، ويخنع، وإما أن تنكسر الأطماع الإسرائيلية على بوابة لبنان وسوريا وغزة، ويبدأ العد التنازلي لوجود هذه الدولة الغاصبة.