استهل أفيف كوخافي أسبوعه الأول في مقر قيادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بتنفيذ أول هجوم جوي على أهداف عسكرية في قلب العاصمة السورية دمشق، استمرارًا للسياسة العسكرية التي انتهجها سلفه المنتهية ولايته غادي آيزنكوت التي سماها "المعركة بين الحروب".
يعلم كوخافي جيدا أن هذه السياسة تحقق لإسرائيل أكبر إنجازات عسكرية عملياتية داخل الأراضي السورية، وفي الوقت ذاته لا تجبي منها أثمانًا باهظة، فهي تضرب القواعد العسكرية الإيرانية، وتعوق وصول أي شحنات أسلحة إلى حزب الله، دون أن يرد عليها الجانبان بضرب أهداف داخل إسرائيل، أو على الأقل القدرة على إسقاط الطائرات الإسرائيلية المغيرة.
تتزامن هذه الغارة الأخيرة في الساعات الماضية مع الإعلانات المتزايدة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول الاستمرار في هذه الهجمات الجوية داخل الأراضي السورية، باعتبارها جزءًا من الدعاية الانتخابية له أمام خصومه.
هذا يعني أنها سياسة رسمية سوف تستمر حتى إشعار آخر إلى حين تحقيق أهدافها المعلنة لها بالحيلولة دون إقامة أي قواعد عسكرية إيرانية في الجارة الشمالية، ومنع انتقال أي أسلحة تأخذ طريقها من طهران، وصولًا إلى بغداد، مرورًا بدمشق، وانتهاء ببيروت.
الثابت أن الأراضي السورية ستبقى مسرحا لتنفيذ المزيد من العمليات الجوية الإسرائيلية في ظل استمرار ذات الظروف التي نشأت منذ عام 2015، وهي لم تتغير حتى كتابة هذه السطور، على النحو الآتي:
أولا: الإيرانيون ليسوا بوارد أن يتراجعوا عن قرارهم الاستراتيجي بمد نفوذها السياسي في سوريا ليصبح بطعم عسكري، وتكون دمشق كما هو الحال في بغداد وبيروت، قاعدة عسكرية لحرسها الثوري مقابل ما دفعته من أثمان مالية وبشرية فائقة لتثبيت النظام السوري، والقضاء على معارضيه.
ثانيا: حزب الله ماضٍ في توجهه العام بحيازة أكبر قدر من الأسلحة والمعدات القتالية، لا سيما تلك التي توصف بأنها "الكاسرة للتوازن"، كي تكون رادعًا لإسرائيل عن المضي قدما في استهدافه في أي مواجهة عسكرية متوقعة قد تشهدها لبنان، والحزب يبدو مستعدا للمغامرة بعشر شحنات أسلحة إن نجح في تهريب شحنة واحدة تنجو من الرادار الإسرائيلي.
ثالثا: إسرائيل من جهتها ليست بوارد أن تعلن وقف هذه السياسة، في ظل ضوء أخضر أمريكي، وضوء أصفر روسي، وعدم وجود أي ضوء أحمر، الأمر الذي من شأنه أن يجعل كوخافي ماض في هذه السياسة في ظل حيازته لغطاء كامل من المستوى السياسي، بغض النظر عمن يحكم إسرائيل، اليوم أو بعد الانتخابات، على اعتبار أن ذلك جزء من الأمن القومي الإسرائيلي الذي يوجد حوله إجماع إسرائيلي كامل بعيدا عن أي استقطاب حزبي.