يُحيي الفلسطينيون هذه الأيام الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع العدوان الإسرائيلي الوحشي 2008-2009، الذي شاهد فيه الفلسطينيون أبشع وأقسى استخدام للآلة العسكرية ضد آلاف المدنيين الفلسطينيين بهذه البقعة المحاصرة.
الكثير من الحبر الفلسطيني والإسرائيلي سال بتقييم الحرب، وأسبابها، ونتائجها، جاء آخرها في الساعات الأخيرة على لسان زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيفي ليفني، وزيرة الخارجية إبان تلك الحرب، التي زعمت أنه "لم يكن لدينا أي هدف معلوم للعملية، وكان بإمكاننا إنهاؤها بعد أسبوعين فقط من بدئها، لأن أيامها الأخيرة لم تكن ضرورية".
في حين رد عليها إيهود أولمرت رئيس الحكومة أثناء الحرب زاعما أن "أهداف الحرب الإستراتيجية والتكتيكية واضحة ودقيقة، ومصادق عليها من جميع أعضاء وزراء الكابنيت آنذاك، فقد هدفت خطتنا لزعزعة حكم حماس في غزة بشكل تام، ثم جلب قوات دولية إليها كما حصل في لبنان إبان حرب 2006".
وكشف أولمرت عن عنصر الخداع بتضليل حماس عن توقيت العملية، بالقول: إننا "اخترنا يوم السبت، وأمر وزير الجيش "إيهود باراك" بفتح المعابر لتضليل حماس، وأعلن أن جلسة الكابنيت ستُعقد يوم الأحد".
وزاد قائلا: إننا "حافظنا على السرية التامة فيما يتعلق بوقت البدء بالعملية العسكرية، التي ألقت فيها إسرائيل خمسة آلاف طن من المتفجرات على غزة، فلم يكن الجنود والضباط يعلمون بها، الضابط الوحيد في المستوى التكتيكي المقاتل الذي علم بوقت العملية هو قائد فرقة غزة فقط".
المعذرة من القارئ الكريم على الاستطراد بسرد هذه الاعترافات، لكنها مهمة، فقائلوها صناع القرار الإسرائيلي، الذين أشرفوا على تنفيذ هذه المذبحة بحق مدنيي غزة، وفي النهاية فشلت العملية وأخفق العدوان، ولم تنجح إسرائيل إلا بقتل وإصابة آلاف الفلسطينيين، في حين بقيت المقاومة موجودة، وقائمة، وصامدة.
الكثير من الكلام الذي قد يحكى في الجانب الفلسطيني، حول الأداء الميداني والتفاوضي، لكن الاعترافات الإسرائيلية المتأخرة عقدا كاملا، تساعد صانع القرار الفلسطيني في التبصر والتعرف على كيفية تفكير الإسرائيلي، فالتاريخ قد يعيد نفسه، والأحداث قد تتكرر، لا سيما في جوانب الخديعة والتضليل.
يبدو جديرا في نهاية هذه السطور الإتيان بتقييم المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم لهذه الحرب بذكراها العاشرة، حين قال: إن "إسرائيل حولت غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، وشكلت حربها تلك رمزا لكل خطأ في نهجها، بمواصلة تجنب الدبلوماسية، والاعتماد على القوة العسكرية الغاشمة، فهي تعرف منطق القوة، لا قوة المنطق. حرب 2008 هي عار أخلاقي وعمل إجرامي، وهو وصف ينطبق على كامل سياستها على نزلاء سجن غزة، فسياسة "جز العشب" تعبير مجازي مبتذل مرعب يعني الذبح العشوائي للمدنيين الفلسطينيين".