فلسطين أون لاين

​في "مطحنة" الحياة لا تنسَ أن تعيش

...
لا تنسى نفسك
غزة- مريم الشوبكي:


تمر الأيام والسنون ونكتشف أننا عشنا في "مطحنة" الحياة، ونسينا أنفسنا، نركض خلف لقمة العيش لتأمين المستقبل لنا ولأبنائنا، ونتأثر بالضغوطات والصعوبات، وتوقفنا كثيرًا أمام توافه وصغائر الأمور وجعلنا من "الحبة قبة".

الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة بينت أن الظروف الحياتية التي يعيش فيها سكان قطاع غزة صعبة، وتتعدد رواسب الضغوط النفسية للأفراد، خاصة في قطاع غزة، فمنها ما هو سياسي، واجتماعي، واقتصادي.

غياب الرفاهية

وذكرت السعايدة لـ"فلسطين" أن الذي أثر في هناء الحياة وغياب الرفاهية النفسية لدى الأفراد انتشار الأزمات النفسية، فيثورون لأتفه الأسباب، وخيمت على بعض سحابة سوداء فجعلتهم يبدون أكبر سنًّا وكأنهم أرواح خاوية، فنسي بعض أن يعيش سعيدًا.

وعزت الأسباب التي تجعل الإنسان ينسى نفسه إلى ضغوط الحياة، وسمات الشخصية الموجودة لدى الأفراد؛ فبعض يعطي الأمور حجمًا أكبر ويدور في الدائرة نفسها ويتباكى على الماضي، في حين أن بعضًا آخر مهما عصفت به من مشاكل فإنه يتكيف معها.

ولفتت الاختصاصية النفسية إلى أن الصلابة النفسية التي يتمتع بها الأفراد تجعلهم يستطيعون مواجهة الصعوبات بكفاءة، وعلى النقيض تمامًا مستوى الهشاشة النفسية التي ينهار بسببها الأفراد ويفقدون السيطرة على الأحداث.

وتابعت: "مستوى الرعاية الذاتية التي يوليها الأفراد لذواتهم من ناحية نفسية وجسدية واجتماعية، ونمط التنشئة الأسرية لهما دور في جعلهم أكثر قدرة على التحمل والتجاهل".

الموازنة

ولفتت السعايدة إلى الضغوطات الحياة من أزمة الرواتب والبطالة، وإغلاق المعابر، والأعباء الملقاة على عاتق الأفراد الاقتصادية، والاجتماعية؛ إذ يسعى الفرد جاهدًا إلى تحمل تلك الأعباء، وفي خضمها ينسى العيش.

وأكدت أن الإنسان يستطيع الموازنة بين متطلبات الحياة رغم حدة ضغوطاتها، ومتطلبات ذاته ليصل إلى بر الأمان، وهذا يعتمد على القدرة العالية والكفاءة المميزة في الفصل بينهما.

وبينت الاختصاصية النفسية أنه يجب إعطاء كل ذي حق حقه، وعدم المبالغة في الأمور، وهذا مرهون بمستوى الاتزان الانفعالي لدى الفرد؛ فلا تستثيره أهون الأسباب وتجعله يتباكى على الماضي وينسى حاضره ومستقبله، ويعطي الأمور ردود فعل تناسب حجمها.

وذكرت أن أسمى معاني الصحة النفسية تتجسد في قوله (تعالى): "لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم".

وأشارت السعايدة إلى أن الأسرة تلعب دورًا مهمًّا في تعزيز حياة هانئة للطفل وتحقيق الرفاهية النفسية له، فلا تخلق شخصيات معتلة نفسيًّا من بداياتها لتشكل فيما بعد أذى على نفسها وعلى الآخرين.

ولفتت أن ذلك يتحقق بإشباع حاجات الطفل المختلفة، الجسدية والعاطفية، ولعل أبرزها النفسية، مثل الاحتواء والاهتمام والتقبل والحب والانتماء، فيمتلك الطفل رصيدًا كافيًا من تلك الحاجات ولا يعوزه أي نقص فيما بعد، وتقوى صلابته النفسية.

الطفل والمسؤولية

ونبهت السعايدة إلى أنه لا يمكن إغفال تحميل الطفل جزءًا من المسئولية دون مبالغة ولا تفريط، فيجعله يتمتع بقدر وافر من الصحة النفسية، في حين أن الطفل إن حُمل المسئولية بمبالغة فسيبدو أكبر سنًّا، ويحرم احتياجاته النفسية، وينسى عيش طفولته كما ينبغي؛ فتخلق شخصيات مهزوزة.

وماذا سيحل بمن ترك نفسه لمعارك الحياة؟، أجابت: "يركض لاهثًا وراء لقمة العيش، فتترك جروحًا في نفسه وفي الآخرين، ومنها: انخفاض مستوى الصحة النفسية لديه، وعدم مقدرته على التكيف جيدًا مع الحياة، أيضًا إستراتيجيات مواجهة ضغوط الحياة تقل لديه، وتكون آثار جسدية ظاهرة عليه كالتجاعيد، وعلامات الحزن تبدو عليه، وعلاقاته بالناس يسودها التوتر وافتعال المشكلات".