ما زال الصراع في (إسرائيل) بين المتدينين والعلمانيين على أشده، يتجلى بين حين وآخر عبر خلاف هنا وقانون هناك، حتى وصل ذروته في قانون تجنيد المتدينين في الجيش الإسرائيلي، ما تسبب أخيرا بإسقاط الحكومة الحالية، والدعوة إلى انتخابات مبكرة في الربيع القادم.
لكن مظهر التدين الحقيقي داخل (إسرائيل) يظهر بصورة لا تقبل كثيرا من الجدل في الجانب التعليمي، فمنذ قيام (إسرائيل) قبل أكثر من سبعين عاما كان تدريس الديانة اليهودية منوطا بالبرامج الدراسية العلمانية، لأنه ليس هناك صهيونية علمانية، بل هي حركة لاهوتية، حتى أن ديفيد ين غوريون مؤسس الدولة، كان علمانيا جدا، لكنه أدخل دراسة الديانة اليهودية في المدارس والخطط التعليمية الحكومية.
هذا السلوك من بن غوريون يطرح السؤال: لماذا دأب هذا الرجل الذي لم يعهد عليه حفاظه على الطقوس التعبدية اليهودية، ولم يصم يوم الغفران، على إجبار المؤسسات الحكومية على تدريس الديانة اليهودية؟
هناك من يعتقد أن الصهيونية لا معنى لها دون اليهودية، وإلا على ماذا يعتمد العلمانيون اليهود في المطالبة بأحقيتهم في أرض (إسرائيل)؟ هنا نكتشف كيف أن الدين اليهودي يخدم القومية اليهودية.
العلمانيون الإسرائيليون يعتقدون أن الحكومة الحالية "المستقيلة" تحاول فرض نموذج من الصهيونية الدينية لتغيير طبيعة المجتمع الإسرائيلي، العلماني بطبعه، من خلال نشر أفكار ومبادئ الأحزاب الدينية الصهيونية، وقمع أفكار الصهيونية العلمانية، ويعدون أنفسهم امتدادا لكل الزعماء الصهاينة العلمانيين، وعلى رأسهم تيودور هرتسل الذي حلم دائما بدولة علمانية لليهود.
بل إن هؤلاء يوردون شكاوى أولياء الأمور عن الإقحام الحاصل للمفاهيم الدينية اليهودية في كل برامج الخطط الدراسية، حتى أن نصوص التوراة صارت مدرجة ضمن دروس الجغرافيا والرياضيات، ما أثار نقاشات إسرائيلية عاصفة في شبكات التواصل الإسرائيلية.
وقد تبين من خلال مسح أولي منذ دورة الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2015، نشر قرابة 700 عنوان ومقال وكتاب تناولت قضايا التدين اليهودي، وبعد سنة واحدة فقط ارتفع العدد إلى الضعف، وفي السنة المنصرمة لتوها 2018 وصل العدد إلى 5680 عنوانا.
وبعد أن شهد عام 2016 نقاشات على شبكات التواصل الإسرائيلية حول مسائل دينية يهودية بعدد 4 آلاف منشور ونقاش، فإن العام المنقضي شهد إثارة 40 ألفا، ما يعني أننا أمام تضاعف بنسبة ألف بالمائة خلال عامين فقط.
هذه معطيات رقمية إحصائية تفيد في فهم الدلالات الاجتماعية والتعليمية التي تشير إلى فهم منسوب التدين في المجتمع الإسرائيلي، رغم أن ذلك لا يلغي حقيقة مفادها أن الساسة الإسرائيليين في عمومهم علمانيون، يستغلون الدين لتحقيق أجندات سياسية، داخلية وخارجية، وهناك ما يشبه التقاسم الوظيفي بينها.