يبعد 8 أمتار عن المسجد الأقصى و3 عن حائط البراق
مديون لسلطات الاحتلال بنحو 190 ألف شيكل
ناشد السلطة لإعانته فتحجّجت بعدم وجود ميزانيات
على بعد 8 أمتار من المسجد الأقصى المبارك يجلس المقدسي عماد أبو خديجة في محله الأثري مرابطًا فيه ومحافظاً على آثاره التي يبلغ عمرها 2300 عام.
وعلى مدار 30 عاماً عمل أبو خديجة على إفراغ وترميم أجزاء كبيرة من محله الأثري من الأتربة المكدّسة، ومع مرور الزمن توسعت مساحته من 100 متر إلى 300 متر.
ويقع منزل الحاج أبو محمد (57 عاماً) ومحله الإستراتيجي الذي أسنده إليه والده (90 عامًا) ليكمل المعركة مع الاحتلال في شارع باب السلسلة، أحد أبواب المسجد الأقصى، في داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، الواقع في الرواق الغربي للمسجد الأقصى وفي الحي الإسلامي.
ويرى المقدسيون في محل "أبو خديجة" قطعة أثرية من آثار المسجد الأقصى، إذ لا تختلف مواصفاته وجدرانه عن جدران المسجد العتيقة، والبلدة القديمة، التي تتعرض لهجمة كبيرة وشرسة تهدف لتهويد أسمائها.
إغراءات كبيرة
ويرابط المقدسي في محله الذي يحمل رقم 107، ضمن ترقيم عناوين المحال التجارية والبيوت السكنية في البلدة القديمة، في حين يحمل بيته رقم 148، مشيرًا إلى رفضه الكامل لكل أعمال المساومة الإسرائيلية لشراء المحل الأثري.
ويبعد المحل عن المنزل 15 مترًا فقط، و8 أمتار عن المسجد الأقصى، وعن حائط البراق 3 أمتار، وهي العوامل التي أدت إلى تضاعف حملات الإغراء الإسرائيلية لشرائه، كان آخرها قبل أيام حين عرض عليه مستوطن إسرائيلي بيعه مقابل 31 مليون دولار.
وأمام هذه الإغراءات التي رفضها بكل قوة يقول المقدسي لصحيفة "فلسطين": "همنا الوحيد الحفاظ على هذا التراب، والعقارات الإسلامية المقدسية، وهي أمانة أحملها لأولادي ولكل مسلم إلى يوم الدين"، لافتًا إلى أن المساومات تدرجت من 24 مليون دولار وصولاً إلى 31 مليونا.
وإضافة للعوامل السابقة يعود اهتمام سلطات الاحتلال ومستوطنيها لشراء محل أبو محمد، لسبب آخر وهو وجوده في مدخل لـ 7 أنفاق تاريخية تعود إلى العهد البيزنطي، وتصل إلى حائط البراق، وكنيسة القيامة، وصولًا إلى باب العامود، إذ يسعى الاحتلال للسيطرة عليها لتوسيعها، ووصلها بالأنفاق التي حفرها أسفل الأقصى بحثًا عن "الهيكل" المزعوم.
"والله ما بنبيع"
ومنعاً لتسريب العقار المقدسي الإسلامي، والحفاظ عليه طوال حياته وفي المستقبل، أوضح أبو خديجة أنه حول المكان الذي يملكه ويعمل به إلى وقف إسلامي، قائلاً: "والله ما بنبيع، لو يدفعوا لنا مال الدنيا كلها، ولو دفعوا لنا مليار دولار ما بنبيع، كيف بدي أبيع شيء أوقفته لوجه الله؟".
ويضيف: "هذا الحي والمكان ولدت وعشت وترعرعت فيه، وسأبقى مرابطاً فيه إلى أن يشاء الله"، مشيراً إلى أنه فضّل ترك تجارة الملابس التي عمل بها لسنوات طويلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والعودة إلى العمل في بيع المشروبات الساخنة والحاجيات والعصائر المقدسية في محله.
ويزين أبو خديجة أعمدة وأسوار المحل التجاري، بآيات قرآنية وبالكوفية والثوب الفلسطيني المطرز، وصور تراثية قديمة تبين آثار القدس العتيقة، وخرائط لأنفاقها الأثرية؛ عدا عن وجود كراسي وطاولات أثرية، وأخرى فصلت على الطراز المقدسي الأثري.
وفي لغة غلب عليها الحزن والأسى، يتحدث المقدسي عن أبرز العقبات الكبيرة التي يواجهها في صموده اللامحدود، إذ إن دخله اليومي يتراوح بين 50 – 200 شيكل، تتوزع على مصاريف بيته، وضرائب كبيرة تفرضها سلطات الاحتلال عليه وعلى المقدسيين في البلدة القديمة.
ويقول بألم يخرج من قلبه ويسترسله لسانه: "ما أحصله يوميًا لا يكفي معاش البيت، ولا الدكان، ولا الكهرباء، ولا المياه، ولا الضريبة"، موضحًا أنه مديون بنحو 90 ألف شيقل للكهرباء، و290 ألفا لضريبة الأملاك "الأرنونا" و60-70 ألف شيكل ضرائب أخرى.
وليس هذا فحسب، إذ سبق لأبو خديجة أن اعترضه مستوطنون تسلحوا ببنادق آلية، واعتدوا عليه وكالوا له شتائم بذيئة، لتعتقله بعدها شرطة الاحتلال بتهمة اعتراض طريق المستوطنين!!
السلطة مقصرة
ولم تخلُ حياة المقدسي من مواقف صعبة لا تمحى من ذاكرته، إذ يستذكر نومه في الشارع قرب محله التجاري وبيته، لمدة 17 يومًا خوف مصادرته، بفعل الضرائب الكثيرة التي تراكمت عليه، قائلاً: "لجأنا مليون مرة، ونقول يا سلطتنا المحترمة تضامني معنا، مش قادر أسوي التزام واحد، علينا من الضرائب الكثير، إلا أنهم تحججوا بعدم وجود ميزانيات لدعم أهالي القدس".
وأضاف: "جاءت السلطة الفلسطينية يومًا تقدم دعمًا ماديًا لنا، ووعدوني بـ3000 دولار، لم يصلني منها إلا 1000 دولار بعد 8 أشهر"، واصفاً إياها بـ "إبر التخدير".
ويناشد أبو خديجة أحرار العالم للشعور بمعاناة أهل القدس، وسكانها داخل أسوار المسجد الأقصى، مبينًا أن الاحتلال يسعى إلى تفريغ البلدة القديمة من سكانها المقدسيين بأي طريقة، "بـالمنيحة بالعاطلة، بالاغتيال وبالهدم وبالأسر، بأي طريقة يجدها مناسبة لذلك".
ويساعد أبو خديجة، أربعة من أبنائه للحفاظ على هذا المعلم المقدسي، محملًا إياهم الأمانة بعدم التفريط بالمحل المقدسي الأثري.
وبقرارات حكومية احتلالية وإجراءات من بلدية القدس، ومخططات الجمعيات الاستيطانية، تحاول سلطات الاحتلال السيطرة على البلدة القديمة بالكامل وأهم معالمها وأماكنها المقدسة والتاريخية أو منازلها ومحلاتها التجارية، عدا عن ضم مناطقها للحي اليهودي، بسبب ارتفاع نسبة سكن المستوطنين اليهود فيها.