تجاهلت حكومة رامي الحمد الله، ووزير العمل ورئيس مؤسسة الضمان الاجتماعي مأمون أبو شهلا، أصوات العمال والموظفين الصادحين بحناجرهم بـ "لا" لقانون الضمان الاجتماعي بصيغته الحالية، والتي تحمل بنوداً يصفونها بأنها "مجحفة".
وخيب القرار بقانون الذي جاء بعد مطالبة من حملات أهلية ووطنية منذ أربع سنوات الآمال، وعقّب عليه قانونيون بـ 130 ملاحظة قانونية، داعين حكومة الحمد الله ومؤسسة الضمان إلى تعديله بما يتناسب مع حاجة المجتمع الفلسطيني.
وتشكل مجلس إدارة الضمان نهاية كانون الأول/ديسمبر 2017، بعضوية 18 شخصًا، منهم نائب رئيس سلطة النقد رياض أبو شحادة، ويرأسهم وزير العمل بحكومة الحمد الله مأمون أبو شهلا.
ومع تجاهل الحكومة لتلك الأصوات، انطلقت احتجاجات شعبية ونقابية في سبتمبر 2018م، احتضنها شباب مبادر، وموظفون وعمال، تحت اسم "الحراك الفلسطيني الموحد الرافض لقانون الضمان الاجتماعي"، معلنين عن حملات توعوية وتواصل مع المجتمع المحلي والعشائر في محافظات ومدن وقرى الضفة الغربية، ومطالبين بتعديل صيغته الحالية.
ومع إعلان حكومة الحمد الله تنفيذ القانون مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وتجاهلها لأصوات الحراك ومؤسسات حقوقية وأهلية بتعديل القانون، والاستمرار في تنفيذه، واجه الحراك الفلسطيني ذلك بفعاليات مختلفة، وصلت إلى الاعتصام المفتوح وسط رام الله المحتلة، وتصاعدت حدتها بإعلان صريح عن رفض القانون والرغبة بإسقاطه لتجاهل الحكومة مطالبهم.
وأعلنت أكثر من 35 نقابة ولجنة عمالية، رفضها القاطع تطبيق مؤسسة الضمان الاجتماعي الفلسطيني وحكومة الحمد الله، قانون الضمان الاجتماعي، دون توافق، مشددة على دعمها الكامل لمطالب الشارع الفلسطيني والمتمثل بالحراك الرافض للقانون.
ودعت حكومة الحمد الله ومؤسسة الضمان إلى تجميد تنفيذ القانون والسماع لصوت العامل الكادح، في حين شددت القوى والفصائل الفلسطينية على أهمية الحوار للوصول إلى النتائج المرجوة من خلال تعزيز هذا القانون ليلبي مصالح الجميع.
سقف المطالب يرتفع
وبعد شهر من بدء تنفيذ القرار بقانون، أكد الحراك العمالي الفلسطيني لإسقاط قانون الضمان الاجتماعي أن القانون الذي أقرته حكومة الحمد الله يهدف إلى "نهب أموال العمال لسد العجز المالي للموازنة العامة الفلسطينية".
واعتصم الآلاف من المواطنين والعمال وموظفي القطاع الخاص في دوار المنارة، وسط رام الله، احتجاجًا على تطبيق الحكومة قانون الضمان الاجتماعي وللمطالبة بإلغائه وتعليق العمل به، ولمدة ثلاثة أيام.
وجاء الاعتصام المفتوح، ردًا على السلوك السلبي الذي تواجه به حكومة الحمد الله ومجلس إدارة الضمان الاجتماعي، الحراك الشعبي والنقابي الرافض للقانون، وفق ما أوضحه منسق الحراك العمالي صهيب زاهدة لصحيفة "فلسطين".
وأكد زاهدة أن مطالبهم الاحتجاجية ارتفعت وتطالب بإسقاط حكومة الحمد الله وقانون الضمان الاجتماعي، رافضاً المواجهة الأمنية للحراك السلمي.
وواجهت أجهزة أمن السلطة في الضفة، الحراك بقبضتها الأمنية إذ حاولت منع إقامة فعاليات الاعتصام المفتوح، ومنعت وصول باصات نقل العمال والموظفين من محافظات الضفة الغربية إلى مكان الاعتصام المفتوح وسط رام الله.
واعتقلت أجهزة أمن السلطة، بعد انتهاء فعاليات الاعتصام المفتوح عدداً من منسقي وناشطي الحراك الرافض للضمان الاجتماعي، موجهة لهم عدداً من التهم التي يؤكد الناشطون أنها ملفقة.
وأكد عضو الحراك الفلسطيني الرافض للقانون موسى معلا، أن الحراك سيقف مع النشطاء مدافعاً عنهم حتى الرمق الأخير، رافضاً الاعتداء على أي شاب يطالب بحقوقه المشروعة التي كفلها القانون، مضيفا: "الأجهزة الأمنية باعتقالها للشباب تعتدي على القانون وحرية التعبير"، داعياً حكومة الحمد الله إلى عدم استخدام العنف مع الحراك والجمهور الفلسطيني.
ويتكون القرار بقانون من 124 مادة، ويستهدف نحو 1.1 مليون عاملاً وموظفاَ في القطاع الخاص، سيقتطع منهم 8,32 مليار شيكل سنوياً، بمعدل 18.1% من قيمة الراتب شهرياً.
تضارب المصالح
وفي مخالفةٍ واضحة للأسس التي أنشئت عليها المؤسسة أن تكون مستقلة ولا ترتبط بالسلطة التنفيذية، تشكل مجلس إدارة الضمان نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2017م، بعضوية 18 شخصًا، منهم أبو شحادة، ويرأسهم مأمون أبو شهلا.
رئيس المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق لحقوق الإنسان عصام عابدين بين أنه لا يجوز وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني الجمع بين رئاسة مؤسسة مجلس الضمان الاجتماعي والسلطة التنفيذية.
وقال عابدين في حديث مع صحيفة "فلسطين": "في الواقع يوجد تناقض مع القانون نفسه، الذي يتحدث عن الاستقلالية الإدارية والمالية الكاملة لمؤسسة الضمان عن الحكومة والسلطة التنفيذية، وعلى ذلك لا يجوز أن يرأس وزير العمل مؤسسة الضمان الاجتماعي".
ودعا الخبير في القانون إلى إعادة هيكلة مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي على أساس الخبرة والكفاءة والتخصص، ورفده بشخصيات مستقلة وفق شروط ومعايير واضحة، وأن يكونوا منتخبين، على أن ينتخبوا رئيس مجلس المؤسسة وألا يعين تعيينًا بهذه الطريقة.
وقال: "الأداء على الأرض مقلق جدًّا، فهناك هيمنة واضحة من وزير العمل ورئيس مجلس إدارة المؤسسة على المجلس، وهذا يعكس هشاشة المجلس وضعفه"، مشيرًا إلى وجود عدة تجارب واقعية في الحالة الفلسطينية.
ووصف أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت نصر عبد الكريم الحراك الذي يشهده الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، بأنه يشكل صورة أزمة الثقة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني مع حكومة الحمد الله.
وأكد عبد الكريم لصحيفة "فلسطين" ضرورة العمل على مأسسة القرارات، ورسم السياسات في إدارة الشأن العام الفلسطيني بعيدًا عن التفرد والارتجالية، والاحتكام إلى قواعد الحوكمة الرشيدة في التوافق على القانون.
وعن تأثير القانون اقتصاديًّا على المجتمع قال الخبير الاقتصادي: "إنه سيكون سلبيًّا لأنه سيسحب السيولة المالية من الأسواق، وسط انخفاض القدرة الشرائية للمواطن، لكن إن أخذ بالملاحظات المتعلقة به وحَسُن استثمار الأموال فسيكون إيجابيًّا".
وأصدر الحقوقي عابدين دراسة تحمل 112 ملاحظة ومأخذًا قانونيًّا على قانون الضمان الاجتماعي، الذي تسعي حكومة الحمد الله إلى تطبيقه على الشركات والمؤسسات والعمال، مبيناً أنها تهدف لخلق أرضية ملائمة وصالحة لتوافق مجتمعي على الضمان الاجتماعي.
وأكد على ضرورة أن يكون الضمان الاجتماعي ضمانًا حقيقيًّا وفاعلًا وعادلًا وشفافًا وشاملًا.
والضمان الاجتماعي، يمنح الموظفين المتقاعدين بعد سنّ 60 عامًا في القطاع الخاص، راتبًا شهريًّا محدّدًا وفق عدد سنوات العمل، وعدد الاقتطاعات الشهرية من الموظف قبل التقاعد، وقيمة الراتب الشهري.
وينص القانون على اقتطاع 7.2% من مجمل راتب الموظف في القطاع الخاص شهريًّا، و10.9% من رب العمل؛ كما وينص على أن سنّ التقاعد للرجال والنساء 60 عامًا.
ومن أبرز بنود القانون غير الواضحة والخلافية والتي بحاجة لتعديل تتمثل في حرمان الزوجة من راتب زوجها التقاعدي بعد وفاته، وإن حصلت على وظيفة، على خلاف الرجل الذي يرث راتب زوجته.
ويضاف إلى ذلك، آلية احتساب الراتب التقاعدي، إذ يسمح للعامل الاستفادة منه بعد بلوغه سن الستين، ويحرم من سحبه واستثماره قبل ذلك، عدا عن أن اللوائح التنظيمية المقرة بالقانون غير معلنة، ولم تشكل محكمة للبت بقضايا الضمان الاجتماعي.