فلسطين أون لاين

​عباس للمصالحة الوطنية: "للخلف در"

...
صورة أرشيفية
غزة/ نور الدين صالح:

بات ملف المصالحة أكثر صعوبة في ظل حالة تراجع يشهدها وسط اتهامات لحركة فتح بفرض شروط "تعجيزية" بين الفينة والأخرى تُعطّل إمكانية تطبيق الاتفاقات الموقعة.

وعلى مدار أكثر من 10 سنوات مضت، وقّعت حركتا فتح وحماس عدة اتفاقيات للمصالحة، كان آخرها التي جرت في 12 أكتوبر عام 2017، في القاهرة، بحضور رئيس المخابرات المصرية السابق خالد فوزي، والتي أعقبها زيارة حكومة رامي الحمد الله لقطاع غزة، لكنّها لا تزال "حبراً على ورق" لم تخرج إلى حيز التنفيذ.

ويقول مراقبون: إن "فتح" سرعان ما عادت للمراوغة عبر مصطلح غامض تسميه "التمكين الكامل وتسليم غزة من الباب إلى المحراب"، وفق ما صرّح به رئيس السلطة محمود عباس.

واتخذت حركة المقاومة الإسلامية حماس خطوات متعددة لتحقيق الوحدة الوطنية، لكنها ترفض أي مساس بسلاح المقاومة الفلسطينية.

ويستمر عباس في إجراءاته العقابية ضد القطاع، ما أدى لتردي الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي يدفع باتجاه تعثر المصالحة.

استاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس هاني البسوس، رأى أن جهود المصالحة فشلت خلال 2018 بعدما كانت هناك آمال كبيرة خلال نهاية 2017.

وأكد البسوس لصحيفة "فلسطين"، أن الأمور زادت تعقيداً نتيجة تمسك حركة فتح بما تسميه "تمكين الحكومة" كشرط لتنفيذ باقي بنود المصالحة.

واتفق مع ذلك، الكاتب والمحلل السياسي من رام الله صلاح حميدة، واصفا ذلك بأنه محاولة إقصاء، وتنكر واضح لنتائج الانتخابات التشريعية الحرة التي جرت على الساحة الفلسطينية في 2006.

ورأى حميدة خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن الفشل كان حليف المصالحة في كل جولاتها خلال 2018، "وإذا استمر التعاطي معها بهذه الطريقة لن تصل سفينتها إلى أي ميناء"، وفق تقديره.

واتهم "فتح" بأنها هي المُعطل للمصالحة وأنها تتعامل معها بسطحية شديدة، مرجعاً ذلك إلى اتفاق أوسلو الذي سبب كل التداعيات التي يعيشها الشعب الفلسطيني حتى اليوم.

وأكد أن بداية المصالحة تكمن في التعاطي الإيجابي معها من كل أطياف الشعب الفلسطيني، ووأد اتفاقية أوسلو، إضافة إلى القبول بالتعددية السياسية والاحتكام لصندوق الاقتراع.

وتساءل "كيف تدعو الحكومة لـ(ما تسميه) التمكين وهي نفسها لم تلتزم ببنود اتفاقية المصالحة؟"، مشيراً إلى أن اتفاقيات المصالحة تنص على أن تذهب الحكومة لحلف اليمين للمجلس التشريعي بعد أدائه أمام رئيس السلطة.

وبحسب قوله، فإن ما يجري الآن هو أن حكومة الحمد الله، ترفض الذهاب للشرعية الفلسطينية المتمثلة بالمجلس التشريعي والالتزام باتفاقية المصالحة، مشدداً على أنه "لا يجوز لفتح اختيار ما يناسبها من المصالحة ورفض البنود الأخرى".

حدث آخر برز خلال العام، عندما وقع انفجار لم يسفر عن إصابات، أثناء مرور موكب الحمد الله في منطقة بيت حانون شمال قطاع غزة في 13 مارس/ آذار 2018

وحينها سارعت فتح لاتهام حماس بالضلوع خلف التفجير، وهو ما نفته الأخيرة بشدة وفندته، لكنّ فتح أصرّت على مزاعمها في محاولة منها للتهرب من استحقاقات المصالحة، وفق المراقبين.

واتهمت وزارة الداخلية في غزة، في 28 أبريل/ نيسان 2018 جهاز المخابرات العامة في رام الله بالمسؤولية عن محاولة تفجير موكب الحمد الله ومحاولة اغتيال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء توفيق أبو نعيم عبر "خلايا إجرامية" جرى تشكيلها وإدارتها عن بعد لغرض نسف الاستقرار الأمني في القطاع.

وهنا عقب استاذ العلوم السياسية البسوس "أنه رغم الكشف عن التفاصيل وتنديد حماس به، إلا أن رئيس السلطة اعتبرها نسف لجهود المصالحة، وهو ما أعاد الأمور لمربعها الأول"، مشيراً إلى أن إمكانية اعادة بناء الثقة باتت في غاية الصعوبة، "ورغم الحالة السلبية السائدة إلا أن باب المصالحة ما زال مفتوحاً"، حسب اعتقاده.

مبادرات

وأبدت حماس حرصها الدائم على التجاوب بمرونة عالية مع جهود جمهورية مصر العربية لإنهاء الانقسام، لكنّ ذلك اصطدم بجدار رفض "فتح" من خلال التذرع بمصطلح "التمكين" الغامض الذي يُفهم منه عدم قبول الشراكة الوطنية.

وخلال كلمة في مهرجان الذكرى الـ31 لانطلاقة حماس في غزة أعلن رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية استعداده للقاء عباس مؤكدا أن حماس جاهزة ومستعدة للذهاب لأبعد مدى لاستعادة الوحدة، وأيضًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية من كل الفصائل والشخصيات الوطنية، وإجراء انتخابات عامة لرئاسة السلطة والمجلسين التشريعي والوطني بعد ثلاثة أشهر، لكنّ تلك الدعوة لم تلقَ آذان صاغية من رئاسة السلطة ولا حكومتها.

ورحبت حماس بإعلان موسكو مبادرة لدفع عجلة المصالحة للأمام، وتوجيه دعوة رسمية لهنية لزيارتها، فيما كان ردّ عباس على تلك الخطوة بإعلان قرار حل المجلس التشريعي عبر المحكمة الدستورية التي شكلها منفردا.

ووفق البسوس، فإن قرار حل "التشريعي" سيعقد الأمور ويزيد الهوّة، مرجّحاً أن تشهد الساحة السياسية الفلسطينية أحداثاً دراماتيكية خلال 2019.

وإزاء ذلك فإن البسوس، توقّع سيناريوهات مستقبلية يمضي عباس عبرها قدما في تعزيز الانقسام، منها دعوة المجلس المركزي الفلسطيني الذي يهيمن عليه رئيس السلطة، ليحل محل "التشريعي".

وحذر من أن إجراء انتخابات تشريعية في الضفة فقط دون توافق، سيكون "تجسيداً لعزل القطاع بشكل كامل".

ويشار إلى أن عباس عقد المجلس الوطني منفردا في رام الله المحتلة نهاية أبريل/نيسان الماضي، ضاربا بعرض الحائط بيروت في يناير/ كانون الثاني 2017.

وينتظر الفلسطينيون بفارغ الصبر اتمام المصالحة وإنهاء الانقسام بناء على الشراكة الوطنية ومقاومة الاحتلال، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي خلّفتها إجراءات عباس ضد القطاع، وتمس أقوات المواطنين ومجالات الصحة والكهرباء وغيرها.