تتواصل الضربات الإسرائيلية في عمق الأراضي السورية في استهداف مستمر لأي شحنات أسلحة إيرانية تعرف طريقها نحو حزب الله في لبنان، وهي تجسيد لنظرية قائد الجيش الإسرائيلي الذي سيغادر مقر هيئة الأركان بعد أيام قليلة التي سمّاها "مبام"، وهي اختصار لعبارة "المعركة بين الحروب".
يمكن إجراء تقسيم زماني للضربات الإسرائيلية التي بدأت منذ عدة سنوات في سوريا، وزادت على مائتي غارة جوية، استهدفت قوافل وشخصيات وقواعد عسكرية، إيرانية أو تابعة لحزب الله، ترى فيها أخطارًا محدقة لا بُدَّ من مواجهتها أوَّلًا بأول، بين مرحلتين أساسيتين: ما قبل الانسحاب الأمريكي وما بعده.
ليس سِرًّا أن إسرائيل كانت تشعر بأريحية أمنية وعسكرية، فضلًا عن الغطاء السياسي، حين تنفذ غاراتها الجوية في الأجواء السورية، في الوقت الذي توجد فيه القوات الأمريكية في بعض المناطق السورية، حتى لو كان وجودًا عسكريًّا متواضعًا، وفي بعض المناطق الشمالية الشرقية.
صحيح أن الطيران الإسرائيلي أقام مع نظيره الروسي، صاحب القول الفصل في أجواء سوريا، منظومة تنسيق عملياتية، من أجل الحيلولة دون حصول أي احتكاك جوي أو عسكري، وهي المنظومة التي نجحت طوال سنوات سابقة في مهمتها، باستثناء الحادث الذي شهده سبتمبر في إسقاط الطائرة الروسية، وأعقبه تبادل اتهامات روسية إسرائيلية سورية، وتسبب في وقف الغارات الإسرائيلية عدة أسابيع.
اليوم يأتي القصف الإسرائيلي في الساعات الأخيرة في قلب الأراضي السورية، وتحديدًا بعد الإعلان الأمريكي عن الانسحاب من سوريا، ليبعث بجملة رسائل أساسية، أهمها:
- الاستمرار في سياستها القديمة الجديدة باستهداف أي وجود عسكري إيراني في سوريا، بما في ذلك شحنات الأسلحة القادمة من طهران إلى بيروت مرورًا بدمشق.
- الإعلان الإسرائيلي لحلفائها وأعدائها في المنطقة، أنها ستتدبر أمورها في سوريا، سواء بوجود أمريكا العسكري في سوريا أو في غيابها، لأنها قامت بذلك خلال العقود الماضية دون مساعدة واشنطن.
- إمكانية تكثيف التعاون مع روسيا، رغم توتر علاقاتها الحالية، من خلال البحث عن مسارب أخرى لترميم العلاقات الثنائية، خاصة وهي ترى أن قيصر الكرملين هو الحاكم الأول في الجارة الشمالية.
- إبلاغ القوى الإقليمية والدولية التي ستخلف واشنطن عقب انسحابها من سوريا، أن إسرائيل كانت وما زالت وستبقى عنصرًا أساسيًّا في أي ترتيبات مستقبلية للوضع في عاصمة الأمويين.
أخيرًا.. يتزامن القصف الإسرائيلي الأخير داخل سوريا مع القرار الأمريكي المفاجئ بالانسحاب منها، وقد أسفر عن ردود فعل سلبية إسرائيلية، باعتباره خيانة للحلفاء، وتخليًا عنهم في لحظات حرجة، والأسباب واضحة، وأوضح من أن توضح، فتوضيح الواضحات من الفاضحات، وفي ضوء كل ذلك يمكن فهم الرسائل الإسرائيلية من تجدد القصف الإسرائيلي داخل سوريا.