إن إقدام المحكمة الدستورية على حل المجلس التشريعي باطل، وتكريس للانفصال بين الضفة وغزة، وتطبيق عملي لصفقة القرن، ومساس بالمصلحة العامة، ومصلحة الوطن، والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني، لأن المجلس التشريعي سيد نفسه بموجب القانون الأساسي، ولا يحق لأحد لا رئيس ولا محكمة ولا رئيس أن يحله، ولا يحل إلا بانتخاب مجلس آخر يؤدي أعضاؤه اليمين الدستورية.
وإن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية رقم (10/2018) بتاريخ 12/12/2018م عدّ المجلس التشريعي منحلًا لا يتجاوب مع مبدأ سيادة القانون والمصلحة الوطنية العليا لشعبنا الفلسطيني، والحقوق الدستورية الفردية والجماعية للمواطنين، التي يرعاها المجلس التشريعي المنتخب من الشعب الفلسطيني.
إن تشكيل المحكمة الدستورية من لون واحد -وهو من الموالين لحركة فتح- يكشف لنا النية السيئة لتشكيل محكمة دستورية تكون مهمتها الأساسية تعزيز تفرد محمود عباس بالقرار الفلسطيني، مع وجود خلافات داخلية في البيت الفلسطيني، ووضع عوائق أمام إتمام المصالحة، وتشريع الهيمنة وتأصيلها قانونيًّا ودستوريًّا، وترسيخ السيطرة لجماعة عباس داخل فتح، وتعزيز سيطرتها على القرار الوطني.
إن أهم دافع جعل عباس يشكل المحكمة الدستورية هو خدمة مصالح حركة فتح، وجعل المحكمة الدستورية شاهدًا وحليفًا لها في أي نزاع ينتج في حالة إجراء أي انتخابات تشريعية، وكذلك سيحل رئيس المحكمة الدستورية في منصب الرئيس في حال شغور المنصب، وبذلك تطبق سياسية فتح بإبقاء منصب الرئيس في يدها، حتى لو أدى ذلك إلى الالتفاف على القيم الديمقراطية والقانونية، وتفصيل قانون جديد يدعم السياسة الملتوية، لكون منصب الرئيس منصبًا سياديًّا يستحيل على حركة فتح التخلي عنه، والأمر تجلى بقرار المحكمة الدستورية حل المجلس التشريعي، في مخالفة واضحة للقانون الأساسي الفلسطيني.
والحقيقة أنه من باب أولى ينبغي أولًا وضع دستور لدولة فلسطين، ثم إنشاء محكمة دستورية، وهناك أمثلة لمحاكم دستورية متميزة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر إن المحكمة الدستورية الألمانية تمتاز بأنها مكونة من تسعة أعضاء: ثلاثة من السلطة التشريعية وثلاثة من السلطة التنفيذية وثلاثة من السلطة القضائية، حتى لا تطغى سلطة على أخرى، صحيح أن المحكمة الدستورية لها أصل من الناحية القانونية لا يمكن إنكاره، لكن الطريقة التي شكلت بها هذه المحكمة شابها الارتياب والتشكيك في مدى حيادها؛ فالمحكمة الدستورية مهمتها وفق بنود إنشائها في القانون الرقابة الدستورية على القوانين ومدى دستوريتها، لكنها حادت عن ذلك لتكون أداة لترسيخ الانقسام.
ونذكر هنا ما قاله في وقت سابق جرانت رملي الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (مقرها واشنطن): "إن إنشاء المحكمة الدستورية بصورتها الحالية هو استئثار بالسلطة من جهة الرئيس عباس، وهي من وجهة نظر الرئيس محمود عباس وسيلة لإحباط آمال حماس، وضمان سيطرة فتح على السلطة حتى بعد رحيله".
إن قرار عباس ومحكمته الدستورية المشكلة انتهاك لأحكام القانون الأساسي، وقانون الانتخابات العامة يمس بالمصلحة العامة، لأن المجلس التشريعي يمثل كل الشعب الفلسطيني، وعليه إن هذا القرار طعنة للمصالحة الوطنية، وخدمة للمشروع الصهيوأمريكي، وتنفيذ لصفقة القرن.