تراقب الأوساط الإسرائيلية بعين فاحصة تطورات المشهد الفلسطيني، بكل تفاصيله، إن كان على الصعيد الميداني العسكري، أو الجانب السياسي القانوني، وآخرها ما أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الساعات الأخيرة حول حل المجلس التشريعي، والدعوة إلى انتخابات خلال ستة أشهر.
هذه السطور عادت وأكدت حجم استفادة إسرائيل من الانقسام الفلسطيني، وإصرارها على بقائه، بل وتأبيده حتى إشعار آخر، لأسباب ومصالح إسرائيلية، وقدرتها على وضع المزيد من العصي في دواليب أي وساطة أو مساعٍ لطي صفحة هذا الانقسام، وللأسف يبدو أنها تنجح في ذلك، مرة تلو الأخرى.
آخر ترددات هذا الانقسام البغيض تمثلت في إعلان عباس حول حل المجلس التشريعي، ولئن نأى كاتب هذه السطور بنفسه عن الدلالات القانونية والتفاسير الدستورية لهذا الإعلان، لكن ما يهمه هو الموقف الإسرائيلي، سواء المعلن أو المخفي، وما قد يحققه هذا القرار من تأكيد الأهداف الإسرائيلية الساعية نحو نقل هذا الانقسام إلى مرحلة الانفصال، وبدل أن يكون فقط انقساما وقع في ساعة اضطرارية إجرائية، ها هو اليوم يغدو انفصالا كاملا عن سابق إصرار وتعمد.
يشكل القرار الذي أعلنه عباس حول حل المجلس التشريعي، والدعوة لانتخابات جديدة، وصفة نموذجية لصانع القرار الإسرائيلي الساعي لتحقيق رزمة أهداف على الصعيد الفلسطيني، يمكن إجمالها في النقاط التالية:
- استمرار التنصل الإسرائيلي من أي التزامات سياسية أو تفاوضية تجاه السلطة الفلسطينية، على اعتبار أنها لم تعد نهائيا تمثل الفلسطينيين، كل الفلسطينيين، فالرئيس عمليا يسيطر جزئيا على بعض مناطق "أ" في الضفة الغربية، وليس كلها، في حين أنه لا يمتلك أي ولاية سياسية أو جغرافية على قطاع غزة.
- التقدم بمزيد من الذرائع أمام المجتمع الدولي الذي يضغط عليها للإبقاء على حل الدولتين، لأن إعلان عباس يشطب عملياً على الأرض إمكانية الإبقاء على التواصل الجغرافي والسياسي والقانوني بين الضفة وغزة.
- سوف تجد الجهات القانونية الإسرائيلية منشغلة في ورشة عمل ذات بعد قانوني لمعرفة الدلالات التي تنطوي على حل المجلس التشريعي في الضفة، فيما يواصل مهامه في غزة، وكيف يمكن الحديث عن وحدة جغرافية فلسطينية واحدة، حين تجري انتخابات تشريعية في الضفة الغربية، وهل ستسمح إسرائيل بأن تشمل مدينة القدس أم لا، في حين سترفض غزة كما يبدو أن تجري تلك الانتخابات.
هذه إشارات خاطفة حول التعامل الإسرائيلي المتوقع مع إعلان عباس بحل المجلس التشريعي، صحيح أن الإسرائيليين لا يلقون بالا كثيرا للمسميات الفلسطينية من سلطة وحكومة وتشريعي، لكنهم يأخذون ما يخدم سياساتهم بعيدة المدى تجاه الفلسطينيين، ولعل هذا القرار يأتي في سياق التوجه الإسرائيلي المأمول.