فلسطين أون لاين

شارون الابن..يكشف خفايا خطة الانسحاب من غزة

لعلها المرة الأولى التي يظهر فيها غلعاد شارون، كاتم أسرار أبيه شارون الأب، منذ سنوات، وهو يتحدث عن خفايا جديدة من أسباب التحول الدراماتيكي الذي دفع والده لاتخاذ قرار الانفصال أحادي الجانب عن الفلسطينيين، أو ما نسميه نحن بالانسحاب من غزة.

الحوار المطول الذي تحدث به غلعاد، أثار فيّ كثيرا من التأملات، حين بدأت بترجمته، حيث كنت أعود بالتاريخ ثلاثة عشر عاما إلى الوراء، محاولا تجميع بعض المقاطع التي سبقت ورافقت وأعقبت تنفيذ الانسحاب من غزة في خريف عام 2005.

يشير غلعاد، لصيق والده، والمطلع على كثير من تفاصيل خطته، أن الحافز الأساسي للانسحاب من غزة هو البعد الديموغرافي، كاشفا النقاب عن حوار جرى بين شارون الأب وأحد قادة المستوطنين الذين التقاهم بعد تنفيذ الانسحاب، قائلاً له: "أنتم اليوم في 2005، عددكم ثمانية آلاف مستوطن، والفلسطينيون 1.5 مليون نسمة، أنا أنظر لما بعد 20 و30 و50 عاما، سيكون في غزة 3 ملايين إنسان، وأنتم ستبقون 15 ألفا!".

في هذه الزاوية بالذات يحمل منطق شارون كثيـرا من الوجاهة، فكيف سيعيش هذا العدد المتواضع من المستوطنين، لن يزيدوا على 15 ألفا على أحسن التقديرات، وسط بحر من ملايين الفلسطينيين، هذا لعمري في الأمور غريب ومستهجن، وغير منطقي، حتى بمنطق الاستعمار الكولونيالي في نسخته المحدثة!

أكثر من ذلك، فإن غلعاد ذاته يطرح سؤالاً يجرح ما يمكن وصفه بـ"الكبرياء" الإسرائيلي حين يقول: "لا يمكن تخيل ما سيحصل في مستوطنات نتساريم، كفار دروم، موراج، في ظل شبكة أنفاق حماس المنتشرة في غزة اليوم، صحيح أن الخروج من غزة لم يخلصنا من مشكلة الأنفاق، لكننا نواجهها ونحن خارج القطاع، ترى ماذا سيكون لو بقينا هناك؟ كنا حينها سنحتاج إلى أعداد مضاعفة من القوات العسكرية لمجابهتها، ولذلك فحين أقارن الوضع في غزة قبل الانسحاب وبعده، فأول ما يلفت انتباهي عدد القتلى الإسرائيليين الذين كانوا سيقعون في غزة خلال المواجهات مع حماس".

مثل هذه الاعترافات تكتسب أهميتها لنا كفلسطينيين من مسألة غاية في الأهمية: أن التاريخ يشهد أحيانا تحولات مفصلية دون مقدمات، تجعل صناع مراحله يقدمون على قرارات ليس لها مقدمات، بعيدا عن نظريات المؤامرة التي عاشتها الساحة الفلسطينية، وما زالت تعيشها، حول سبب الانسحاب الإسرائيلي، والرغبة بفصل غزة عن الضفة، وإحداث الانقسام، لأن شارون ببساطة لم يكن عرافًا ولا قارئ فنجان، لكن ربما السلوك الفلسطيني حقق لشارون في قبره ما لم يكن يحلم به!