لم يشكل القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا مفاجأة سيئة للأكراد وبعض الحلفاء العرب فقط، وإنما جاءت خيبة الأمل من (إسرائيل)، التي ربما تكون أبلغت بالقرار وقد تم إصداره، دون التشاور معها مسبقاً، كما جرت العادة في قرارات أمريكية لإدارات سابقة، بموجب التحالف الاستراتيجي القائم بينهما.
القرار الأمريكي الجديد يؤكد أن (إسرائيل) أمام رئيس يدير سياسة بلاده، لاسيما الخارجية منها، بمنطق الزعيم "الأنا"، دون اعتبار كثير لمصالح حلفائه بالمنطقة، بمن فيهم (إسرائيل)، رغم أنه يبدو واقفا على يمين اليمين الإسرائيلي في بعض القرارات المتعلقة بالفلسطينيين، كاعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقله سفارة بلاده إليها.
اليوم حين يفاجئ ترمب العالم أجمع بقراره الانسحاب من سوريا، يشكل خبرا سيئا، وربما صادما، لـ(إسرائيل)، يمكن سرد جملة من المخاوف الإسرائيلية بسببه، وإن جاء بعضها مبالغا فيه:
- رغم ما تحوزه (إسرائيل) من قدرات عسكرية، لكنها بحاجة لغطاء من قوة عظمى، ولن تجد أفضل من الولايات المتحدة، رغم تفاهماتها مع روسيا في سوريا.
- الوضع الميداني بسوريا آخذ بالتوتر، بزيادة الاحتكاك العسكري في الشهور الأخيرة مع القوات الإيرانية والتابعة لها، المنتشرة على طول الحدود السورية الإسرائيلية، حتى تلك الموجودة في قلب بلاد الشام.
- توقيت صدور القرار الأمريكي غير مواتٍ للتطورات الأمنية الحاصلة في سوريا بالنسبة للتوتر القائم بين (إسرائيل) وروسيا عقب حادث إسقاط الطائرة الروسية، وما أعقبها من سوء تفاهم بين موسكو وتل أبيب، وخشية الأخيرة من مساهمة الانسحاب الأمريكي بزيادة هذا التوتر.
4-يطرح الانسحاب الأمريكي المفاجئ تساؤلات كبيرة حول مستقبل العمليات العسكرية الهجومية التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي داخل سوريا، باستهداف قوافل الأسلحة الإيرانية التي تجد طريقها لحزب الله، أو القواعد العسكرية الإيرانية التي يتم إنشاؤها في سوريا.
الحقيقة أننا أمام قرار أمريكي جاء لاعتبارات أمريكية بحتة، ولو تضرر منه بعض الأصدقاء والحلفاء في المنطقة، واستفاد منه آخرون، لكن (إسرائيل) في الوقت ذاته لديها القدرة على الاستمرار في هجماتها العدوانية على الأراضي السورية، في ظل تقديرها أن جميع الأطراف قد لا تكون راغبة بالذهاب إلى حد المواجهة الشاملة.
أكثر وضوحا، (إسرائيل)، ورغم انزعاجها من القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، وما يشكله القرار من تحدٍ حقيقي أمامها، لكنها لن "تذرف الدم والدموع" بسببه، كما وصف ذلك جنرال إسرائيلي، لأن تل أبيب أقامت شبكة أمان مشتركة مع الروس، جعلتها في مأمن، ولو كان مؤقتا، من أي تهديد وجودي لمصالحها في الأراضي السورية، ويعني ذلك استمرارها في شن الغارات الجوية على ذات الأهداف، وإن كانت بعيدة عن الضجيج الإعلامي!