تفتقت القريحة الإسرائيلية عن آخر العقوبات المفروضة على الفلسطينيين، ضد عائلات منفذي الهجمات المسلحة، بإبعادهم وطردهم من أماكن سكناهم في الضفة الغربية، ليس لقطاع غزة أو الدول المجاورة، بل إلى مناطق مختلفة داخل الضفة ذاتها، فالعائلة التي تقطن رام الله يبعدها الجيش إلى جنين أو العكس.
هذا القرار الذي صادق عليه الكنيست بالقراءة التمهيدية، وأقرته لجنة وزارية، يعيد للأذهان أيام الاحتلال الأولى للضفة وغزة، حين جمعت سلطات الاحتلال الفلسطينيين في الأحياء والقرى والمخيمات، واختارت أعدادا ممن تشتبه بنشاطهم في المنظمات المسلحة، فاعتقلتهم وأبعدتهم، ورحلت بهذه الطريقة عشرات الآلاف.
اليوم تلجأ إسرائيل لأسلوب جديد من الإبعاد والطرد، ولكن داخل الضفة، ربما لتخفيف ردود الفعل، ما يؤكد أن الإبعاد إجراء سياسي ليس مرتبطا بالأمن، وتهدف منه إلى نشر جو من الإرهاب لإجبار الفلسطينيين على وقف مقاومتهم المشروعة.
يرى المؤيدون لهذا الإجراء العقابي أن الإبعاد وسيلة ناجعة ورادعة، مع أنه امتداد للفكر الصهيوني لهذه الحكومة اليمينية وعنوانه "اليهود آتون، والفلسطينيون ذاهبون".
تكشف هذه العقوبة المتعسفة عن أزمة الجيش والحكومة الإسرائيليين معاً في سعيهما لصون سيطرتهما على الضفة، ولا يمكن النظر لسياسة الإبعاد بمعزل عن مخطط إسرائيلي يتطلع لتحقيق أهداف عدة أهمها:
- تخويف قيادات حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة باعتبار أن الإبعاد يعني فصل الأسر المستهدفة عن محيطها العائلي، وقطع كل روابط المبعدين مع الأرض والعلاقات والمصالح.
- حرمان المقاومة من وجود بعض قياداتها، خاصة من يحتلون مواقع توجيهية في المجتمع الفلسطيني، وهو اعتبار أخذه صانع القرار الإسرائيلي لتنفيذ مخطط أريد له أن ينجح بأقل كم من المعارضة الفاعلة، وعليه يكون الإبعاد عملا مخططا له، وليس رد فعل على حدث أمني معين.
- هذا الإجراء الإسرائيلي من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان، فليس أشد وطأة من حرمان الفرد من العيش بين أسرته، وإجباره قسرا ورغما عن إرادته أن يشرد في مدن أخرى، حتى لو بقيت داخل الضفة ذاتها.
تكمن مصلحة إسرائيل بانتقاء هذه العقوبة أن النفي المنهجي والإبعاد المنظم لهذه العائلات المقاومة يخدمان أهدافاً إسرائيلية، لعل أهمها إنهاء دورها بتأليب الفلسطينيين على مقاومة الاحتلال، باعتبار هذه العقوبة وسيلة رادعة لباقي الفلسطينيين عن القيام بمقاومة المحتل.
بهذه الصفة يعد الإبعاد عقوبة دون محاكمة، فمن تبعدهم إسرائيل ليسوا متورطين بأعمال المقاومة ضدها، وكثيرون منهم لم يسبق أن اعتُقلوا، ويبعدون دون توفير الإجراءات والضمانات القانونية لهم، مع أن إجراء الإبعاد الجديد، ولو كان داخل الضفة، لن يفلح في تلطيف حدته أو حجب طبيعته الحقيقية، وهي الاقتلاع الذي قد يعادل الموت!