بعكس ما كان متوقعا مع بداية اندلاع موجة العمليات الفلسطينية الأخيرة، حين ذهبت بعض التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية إلى دخول الجانبين في مرحلة من التوتر والقطيعة، وزيادة الضغط الإسرائيلي، في ظل الحملات الدعائية التي يقودها اليمين الإسرائيلي ضد السلطة ورئيسها.
جاء الكشف في الساعات الأخيرة عن عقد جملة لقاءات في الأيام الماضية بين مسئولين فلسطينيين وإسرائيليين على المستوى الأمني، ليشكل مفاجأة لافتة لدى العديد من الأوساط الفلسطينية التي قدرت بأن الطرفين يقتربان من مرحلة حسم خياراتهما، وطي ما تبقى لهما من اتصالات، فجاء انعقاد هذه اللقاءات.
يقدم انعقاد مثل هذه اللقاءات الأمنية جملة دلالات مهمة، من أبرزها:
- الحرص الإسرائيلي على إبقاء شعرة معاوية مع السلطة الفلسطينية، رغم ضجيج الاتهامات والمزاعم الإسرائيلية ضدها، واعتبار أن السلطة تساهم في استمرار هذه العمليات من خلال التشجيع عليها في وسائل إعلامها، ومنح المستحقات المالية لعائلات المنفذين من الشهداء والأسرى.
- عدم مغادرة السلطة الفلسطينية لمربع التنسيق الأمني مع إسرائيل، رغم الاجتياح العسكري الإسرائيلي الأخير لمدن الضفة الغربية، وصلت ذروتها في قلب رام الله، على بعد أمتار معدودة من المقاطعة.
- خروج تسريبات فلسطينية رسمية، إن لم يتم نفيها، فيمكن البناء عليها، بأن العمليات المسلحة تشكل مصدر تهديد مشترك لإسرائيل والسلطة معًا، وهو تفكير خطير ستكون تبعاته مكلفة على الصعيد الفلسطيني، ويعطي مشروعية لأي تردد أو توجس من التعامل بمرونة مع الملف الأمني مستقبلا بغزة.
- ربما تعطي هذه اللقاءات انطباعا أن السلطة الفلسطينية، وهي في ذروة قطيعتها مع الحكومة الإسرائيلية، ما زالت تبقي على أمل، ولو كان منخفضا، على إمكانية أن تعود المياه إلى مجاريها مع إسرائيل، سواء الحالية أو المستقبلية، وهو الأمل الذي تتعلق به السلطة منذ تأسيسها، وترهن في كثير من الأحيان قراراتها بناء على ما يقرره الناخب الإسرائيلي.
- جاء لافتا أن حديث بعض المسئولين الفلسطينيين الذين كشفوا عن هذه اللقاءات مع الإسرائيليين، عللوا انعقادها بأنها جاءت بعلم الرئيس عباس، وهي إشارة لا تخلو من إيحاءات تصريحية أكثر من تلميحية:
- كأن علم عباس أو إشرافه على هذه اللقاءات مع الإسرائيليين يعطيها مشروعية سياسية.
- لعل من أطلق هذه العبارة يريد تبديد بعض الأحاديث التي تشهدها الصالونات السياسية الفلسطينية عن بدء التحضير لليوم التالي لغياب عباس عن المشهد السياسي، وظهور بازار الترشيحات.
أخيرًا.. لا أجد مسوغًا سياسيًّا لانعقاد هذه اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية في ذروة إدارة الظهر الإسرائيلية للفلسطينيين، بل إنها تفتح شهية الإسرائيليين لمزيد من الضغط والابتزاز على السلطة التي لم يعد لديها ما تقدمه لإسرائيل باستثناء إنقاذ أرواح المستوطنين اليهود الذين يعيثون في الضفة فسادًا!