الحشود الهائلة - تقدر بمئات الآلاف حسب العديد من وكالات الأنباء- التي غطت ساحة الكتيبة الخضراء بمدينة غزة والتي قد عاينتها شخصيا من خلال تجوالي في مكان المهرجان والشوارع الكبيرة المحيطة به والمكتظة جدا، وفي قراءة متأنية حول هذه المشاركة غير المسبوقة رغم الحصار والحياة الصعبة التي يعيشها أبناء القطاع إلا أننا يمكن أن تأتي قراءتنا لهذا المشهد كما يلي:
أ- إن التنظيم الحمساوي أصبح كبيرا وكبيرا جدا في الداخل والخارج الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة الذي تتوفر له البيئة الخصبة والتي مهدت للزيادة الطبيعية لأفراد التنظيم.
ب- استنفار أبناء التنظيم وعوائلهم وأصدقائهم وأحبابهم كان عاليا ويتضح ذلك من التحضيرات التي سبقت الاحتفال وصولا لليلة الاحتفال حيث كانت عائلات كثيرة موجودة لساعات طويلة بل إن بعضها نام في المكان، وقد امتلأت كراسي الاحتفال عن بكرة أبيها منذ الساعات الأول لشروق شمس الأحد 16/12/2018م، كما يتضح ذلك من خلال الأعداد الهائلة من الرجال والنساء والأطفال المتوشحين بوشاح الحركة و"الطواقي" والأعلام الخضراء التي غطت ساحة الكتيبة الكبيرة ويتجلى ذلك أيضا من الصور الجوية التي غزت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي للكتيبة والتي يحق لها أن يطلق عليها الكتيبة الخضراء، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على صدق انتماء أبناء الحركة لها؛ لأن من يقوم بذلك لا يكون إلا منتمٍ ومقرب ومناصر لها.
ت- التفاف أهالي غزة حول المقاومة -القسام عنوانها- ولقد عاينت ذلك من خلال حديثي مع الناس الذين يحبون القسام ويمجدونه ويتمنون أن يكونوا في صفوفه.
ث- الأجيال الشابة التي ولدت ونشأت وترعرعت أو كبرت وشبت في ظل الحصار وعاشت مع ذويها العدوان الصهيوني الأول عام 2008 وصولا للعدوان الصهيوني الأخير والمحدود 2018، والذي استطاعت حماس توظيفه لصالحها فعملت على احتضان الكثير من هذا الجيل, وتوعيته بمن يحاصرهم ويحرمهم متعة الحياة فكانت حجتها أكثر اقناعا من حجة الخصوم والاحتلال الذي كان يرمي بين الفترة والأخرى منشورات على أهالي غزة والفيديوهات التي يخرجها منسق الاحتلال أو تلك السياسة التي تبناها ليبرمان وزير الجيش الإسرائيلي المستقيل من تحريض الناس على حماس لتسقط في عقر دارها.
كل ذلك كان سببا قويا في التفاف هذا الجيل الشاب حول القسام وحماس ولا أبالغ إن قلت بأن أبناء قيادات وازنة من الاتجاهات والفصائل الأخرى وخاصة خصوم حماس أصبحوا في صفوف حماس.
ج- سياسة حماس الأخيرة وخاصة "التهدئة" التي وظفتها حماس لصالح حاضنتها الشعبية على حساب راتب كامل لموظفيها وأبنائها حسب الاتفاقات – إلا أنها فرضت على الوسيط اقتطاع 5 ملايين دولار لصالح الاسر الفقيرة وتشغيل الخريجين والعمال - والتي كان له الأثر الكبير والملموس في نفوس الناس الذين شكروا حماس عمليا في مشاركتهم انطلاقتها 31.
ح- الممارسة الفعلية للشعار الكبير الذي رفعته حماس "شركاء في الدم شركاء في القرار" حيث استطاعت حماس مشاركة كل فصائل الشعب الفلسطيني في حالة فريدة ونادرة في وقتنا الحاضر وهو "الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار"، أعطت فيها حماس القيادة للفصائل بل أعطتهم رئاسة اللجان الفرعية التي تنضوي تحت الهيئة العليا بل إن نسبة حماس في كل هذه اللجان ضئيلة لا تتجاوز 6%.. فكان الوفاء من هذه الفصائل بالمشاركة والحضور المميز في الانطلاقة وتجلت هذه اللحمة في إعطاء الكلمة لأحد قيادات الفصائل الرئيسة المكونة لمنظمة التحرير وهي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
خ- الترجمة الثانية لشعار "شركاء في الدم شركاء في القرار" وهو تشكيل وتكوين غرفة العمليات العسكرية الميدانية والتي خاضت العدوان الصهيوني الأخير ذات الساعات القليلة والتي أوجعت الاحتلال وخاصة رسالتي الباص والعلم اللتان أفقدتا الاحتلال صوابه فكان الشكر لحماس بالمشاركة الفاعلة لأجنحة المقاومة في احتفال الانطلاقة وقد تجلى ذلك من خلال تهنئة أحد جنود سرايا القدس برفعه لهاشتاق انطلاقة حماس بانطلاقتها 31.
ومما سبق ممكن أن نكون قد اقتربنا من تفسير الأعداد الهائلة التي شاركت حماس في انطلاقتها 31 ولا يمكن أن نغفل أن غزة وشعبها المقاوم هم حاضنة المقاومة الفلسطينية على مدى سنوات الصراع, فالمجتمع الفلسطيني الغزي شعب مقاوم وظهير وسند للمقاومة, وإن حماس نجحت في تعزيز العلاقة بين الشعب والحركة وتحويل الشعب لحاضنة شعبية حقيقية داعمة له.