ما زالت العمليات المسلحة في الضفة الغربية تلقي بظلالها السلبية على المشهد الإسرائيلي، سواء من النواحي الأمنية أو العسكرية، فضلا عن تأثيراتها على المشهد السياسي والحزبي، عبر تبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة، حول المسئولية عن تراجع الحالة الأمنية في الضفة الغربية، بفعل الاستهدافات المتتالية من قبل قوى المقاومة المسلحة.
آخر تجليات تأثر المشهد السياسي والحزبي بمواصلة عمليات المقاومة تمثلت بالمظاهرة الفريدة من نوعها التي خرجت أول أمس أمام مقر الحكومة الإسرائيلية في القدس المحتلة، بمشاركة عدد من الوزراء، احتجاجاً على تردي الحالة الأمنية في الضفة الغربية، بمشاركة تسعة وزراء إسرائيليين.
اللافت أنها المظاهرة الإسرائيلية الأولى التي يحتج فيها وزراء إسرائيليون على أداء الحكومة التي هم أعضاء فيها، ويشاركون في اتخاذ السياسات التي يعلنون رفضهم لها، وهي حالة فريدة من نوعها، لأنه إن كان متفهما أن يخرج أعضاء كنيست من المعارضة احتجاجا على سياسة الحكومة، ويسجلوا عليها نقاطا انتخابية، ويمارسوا عليها مزاودة حزبية، فإن قيادة الوزراء لهذه المظاهرة أمر غير معهود، وهذا يعطي صورة مشوهة عن الحالة الحزبية والسياسية الإسرائيلية.
شهدت هذه المظاهرة غير المعهودة صدور دعوات ومطالبات للرد على العمليات، بين من دعا لوقف مخصصات الأسرى الفلسطينيين، وعدم نقل الأموال لمنفذي الهجمات، وآخر طالب الجيش بالخروج لنسخة جديدة من عملية السور الواقي، التي نفذها الجيش الإسرائيلي عام 2002، وشملت اجتياح الضفة.
ليس سراً أن مشاركة وزراء إسرائيليين بهذه المظاهرة تهدف لإرضاء المستوطنين، وتحسين أوضاعهم في استطلاعات الرأي، وتحميل نتنياهو المسئولية عن تردي الأوضاع الأمنية في الضفة، باعتباره رئيسا للحكومة ووزيرا للحرب في الوقت ذاته.
شهدت إسرائيل في سنوات سابقة احتجاجات شعبية ومظاهرات حزبية في لحظات التدهور الأمني والتوتر العسكري مع الفلسطينيين، وهي مشاهد تلزم في المواسم الانتخابية التي توشك على الحدوث في الأشهر القليلة القادمة، لكن هذه المظاهرة الأخيرة تحمل دلالات لعلها غير معهودة في العمل الحزبي والسياسي، فما معنى أن يشارك وزراء في مظاهرة تحتج على سياسة الحكومة التي يصادقون عليها، ولماذا لا يكملون احتجاجهم وصولا للاستقالة من الحكومة، ويعلنون أنهم غير مسئولين عنها؟
قد تشهد الأيام القادمة المزيد من الاحتجاجات الإسرائيلية إن استمر تدهور الوضع الامني في الضفة، مما قد يشكل أداة ضغط على صانع القرار الاسرائيلي، ويذهب للمفاضلة بين الإبقاء على ائتلافه الحكومي مستقرا حتى الصيف القادم، وفي هذه الحالة قد يبدو مضطرا لإرضاء عتاة اليمين فيه عبر تنفيذ عمليات عدوانية ضد الفلسطينيين، أو تحمل المزيد من الاحتجاجات الشعبية إن تجاوزت المقاومة الاجراءات الاسرائيلية، وتنفيذ المزيد من العمليات، كما هو مأمول!