فلسطين أون لاين

​بسبب الاحتلال

"عماد الدين" يعود إلى حضن عائلته بعد أسرٍ دام 18 عامًا

...
صورة أرشيفية
غزة/ إسماعيل نوفل:

في عالم الإنسان أكثر ما يشتهيه الابن حضنٌ دافئ ولو كان قصيرًا، يسقي به قلبه من حنان والديه؛ أبٌ يقف في ظله يعينه على نائبات الدهر ممسكًا بيديه يهديه إلى طريق الصواب، يكون معلمًا له في مدرسة الحياة، وأمٌ منبع للمشاعر والأخلاق وهي قلبٌ يفيض حبًّا لأطفالها الصغار والكبار.

لكن في فلسطين الحياة ليست كما يهوى الإنسان، القتل والتهجير والسجن لكل من يدّعي الوطنية، لم تستطِع سارة الصفطاوي (20 عامًا) من سكان قطاع غزة، أن تقرّ عينيها برؤية أبيها لمدة 18 عامًا قضاها في سجون الاحتلال.

في اليوم الثالث عشر من شهر ديسمبر لعام ألفين، اعتقلت قوات الاحتلال عماد الدين الصفطاوي (55 عامًا)، والد سارة، قبل أن يتجاوز عمرها الربيعين، بتهمة تنفيذ فعاليات مقاومة أضرّت بأمن الاحتلال، كما أفاد المدعي العام الصهيوني خلال المحاكمة التي قضى بسببها 18 عامًا في سجونهم.

حياة الأسر

يعيش الأسرى في سجون الاحتلال جميع أصناف العذاب، "وكل ما يخطر على بال الإنسان من سوء.. العدو لا يرحم أبدًا"، قالها الأسير عماد الدين الصفطاوي لمراسل صحيفة "فلسطين" في وصفه العذاب الذي لاقاه هو وزملاؤه في سجون الاحتلال.

عاد الصفطاوي في ذاكرته إلى عام 2004 في سجن "نفحة"، حيث أصابه حراس السجن بعيار ناري في قدمه وشجّ شديد في رأسه، خلال عملية قمع وتفتيش نفذتها الوحدات الخاصة بمرافقة شرطة السجن، وبدلًا من نقله للمستشفى لتقديم العلاج اللازم له عُزل في قسم "إيشل" في السبع.

وتابع الصفطاوي الحاصل على بكالوريوس في تخصص أصول الدين من الجامعة الإسلامية قبل سجنه: "لم أشعر بالحبس لأني كنت أُعلّم وأتعلم"، حيث أسهم ضيفنا في افتتاح دبلوم في الدعوة والعلوم الاجتماعية والتاريخ للأسرى في سجون الاحتلال وكان معلمًا لهم، كما كان مشرفًا على العديد من البرامج الثقافية والتوعوية لأجل الأسرى الجدد.

أبٌ غائب

سنوات عجاف مرت على أسرة الأسير عماد الدين الصفطاوي لم يستطيعوا فيها استنشاق عبير أبيهم، حتى خروجه من السجن بعد انتهاء محكوميته أول من أمس، فقد منعهم جهاز "الشاباك" من زيارته إطلاقًا.

"أبٌ غائب عاد وهو يملك كل الحب.. مهمتي الرئيسة الآن تعويضهم عن كل ما فقدوه في سنوات سجني وأغمرهم بالمحبة التي فاضت والشوق الذي التهم قلوبنا"، بعد أن توقف حديثه هنيهة من الزمن مع شهقة حزينة، متابعًا في وصف حريته: "أعظم شعور هو مغادرة القوم الظالمين".

استقبال

وفي مشهدٍ فنّي خلّاب نظّمه أهل بلدته وأصدقاؤه له أول من أمس، في استقباله بموكب يليق بالأبطال منذ خروجه من حاجز بيت حانون وصولًا إلى منزله في معسكر الشاطئ، والذي وصفه بـ"غير المتوقع خاصة أن يكون بهذا الحجم الهائل المفعم بالمحبة، مكررًا إياها أربع مرّات".

عناقٌ دام لدقائق يعبر فيه الأب وأبناؤه الثلاثة عن مدى الشوق المتأجّج في قلوبهم خلال انتظارهم لهذا اليوم الذي تتلامس فيه أجسادهم ويسكب فيه والدهم من حنانه في قلوبهم العطشى لهذه المحبة التي حرموا منها لثمانية عشر عامًا، وتابع حديثه في وصف فرحة عائلته: "زوجتي لم تنَم حتى الآن فرحًا بعودتي".

ويخطط أسيرنا المحرر لقضاء ما بقي من عمره في التخفيف من معاناة شعب غزة بقدر استطاعته، والمتاجرة مع الله بالعبادة والدعوة إلى الله.

الأسرى ورسالة

في مشهد جميل آخر رسمه أصدقاءه في السجن، اختلطت مشاعره ما بين فرح لتخلصه من السجن وقساوته، و"ترحٍ شديد" لمفارقة رفقائه الذين جمّلوا لحظات حبسه بابتسامتهم وقضى معهم "أجمل أيام حياتي فهم إخوتي" كما وصفهم.

وأَمِل الصفطاوي أن يكون خير موصل لرسالتهم بأنهم ما زالوا "صامدين صابرين قلاعًا عاتية في مواجهة الاحتلال"، وأنهم على ثقة كبيرة بالمقاومة وعلى مقدرتها على خلق صفقة وفاء أحرار جديدة تخرجهم من ظلمات السجون، واصفًا المقاومة أنها على قدر المسؤولية.

وبلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال حسب آخر إحصاءات لهيئة الأسرى إلى (6500) أسير وأسيرة.