لم ينته جهاز الشاباك الإسرائيلي من مفاخرته بقدرته على فرض الهدوء بالضفة الغربية، عبر إحباط مئات العمليات، واعتقال آلاف الفلسطينيين، وتجفيف منابع فصائل المقاومة، حتى عادت من جديد سلسلة عمليات مسلحة وهجمات عسكرية استهدفت مواقع للجيش والمستوطنات المنتشرة بمختلف مناطق الضفة الغربية.
فور أن تم تعيين قائد جديد للجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، حتى بدأت جهات تقدير الموقف الإسرائيلي تصدر تقييماتها للمخاطر الكامنة والتهديدات الماثلة أمام الجيش والمؤسسة العسكرية، التي بدأت بقطاع غزة، مرورا بلبنان، وصولا إلى سوريا، وانتهاء بإيران، دون أن يأتي أي منها بالحديث عن الضفة الغربية.
هنا يطرح الإسرائيليون جملة أسئلة، لم يعثروا لها على إجابات منطقية شافية:
- أين هي الإنجازات الأمنية الإسرائيلية من سلسلة العمليات المتلاحقة، التي أوقعت قتلى وجرحى إسرائيليين كثرًا، جنودا ومستوطنين؟
- ماذا تفعل الدوريات العسكرية والحواجز الأمنية، الثابتة والطيارة؟ ولماذا أخفقت بالعثور على منفذي العمليات الأخيرة فور تنفيذها، وبقي المقاتلون أياما وأسابيع يتنقلون في ربوع الضفة المتخمة بالجيش الإسرائيلي؟
- كيف باتت معسكرات الجيش والمستوطنات إلى ما يشبه "أماكن رماية" للمسلحين الفلسطينيين، يقتلون ويجرحون، ليس ذلك فقط، بل ويستولون على أسلحة الجنود، بعد الإجهاز عليهم؟
- يبقى سؤال الأسئلة حول سبب عدم فاعلية التنسيق الأمني بين المخابرات الإسرائيلية والفلسطينية، للكشف المبكر عن هذه العمليات، وهي ما زالت مجرد أفكار تراود أصحابها،فضلا عن تعقب المنفذين.
ليس من المتوقع أن تعثر إسرائيل على إجابات عن هذه التساؤلات، لاسيما وأن هذه الموجة من العمليات الأخيرة ربما لا تكون نهاية المطاف، في ظل ما خرج من بيانات وتصريحات تهدد وتتوعد الاحتلال، مما قد يجعلنا على موعد من عمليات أخرى، تتقارب وتتباعد، وفقا للمعطيات العسكرية والبيئة العملياتية.
ليس سراً القول إن البيئة القائمة بالضفة الغربية "طاردة للمقاومة، وليس جاذبة لها"، في ظل الضغط الأمني والملاحقة الميدانية من عدة جهات ترى المقاومة خطاً معادياً لواقعها العسكري، وهي إسرائيل، ومناقضة لنهجها السياسي، وهي السلطة الفلسطينية، وقد التقتا في مسار وأد أي جهود للمقاومة، رغم حالة الجمود السائدة بينهما.
اليوم، يبدو الفلسطينيون فخورين بمقاومتهم، فردية كانت أم منظمة، التي استطاعت أن تفلت من الرادار الإسرائيلي، الذي يعد على أهل الضفة الغربية أنفاسهم، ويعرف ماذا يطبخون في بيوتهم، ويحصي عليهم مواليدهم وموتاهم، الأمر الذي يجعل إمكانية أن تبقى الضفة في حالة استنزاف لإسرائيل، جيشا ومستوطنين، أمرا متوقعا في قادم الأيام.. وإنا لمنتظرون!