مشهد محزن حين تجتاح عشرات المركبات العسكرية الإسرائيلية بمئات من جنود الاحتلال مدينة رام الله وتحاصر وتقتحم مؤسساتها مثل وكالة وفا ووزارة المالية وغيرهما فضلا عن الاجتياحات اليومية لغالبية مدن وقرى الضفة الغربية بما يصاحب ذلك من اعتقالات تطال الكثير من الشباب الفلسطيني.
بعد قرابة ربع قرن من توقيع اتفاقية أوسلو لا يوجد ضمانات تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي من اجتياح المناطق الفلسطينية بغض النظر عن تصنيفها إن كانت مناطق أ أو ب أو ج، فقوات الاحتلال كانت تعيث فسادا في دوار المنارة وسط رام الله والجيبات العسكرية الإسرائيلية لا تبعد إلا قليلًا عن مقر الرئاسة الفلسطينية، وهنا يتبادر إلى الذهن؛ ما الذي حققته اتفاقية أوسلو طيلة هذه السنوات؟ أليس من الواجب الإعلان عن إسقاطها طالما تصر دولة الاحتلال إسرائيل على إحراج شريكها في عملية السلام بل وتهدد باغتيال الرئيس محمود عباس بعد أن حاصرت واغتالت الرئيس الراحل ياسر عرفات؟
ما تفعله قوات الاحتلال في الضفة الغربية ورام الله لا يأتي من قبيل الرد على عمليات المقاومة فقط، لأنها بدأت ممارستها بتضييق الخناق على السلطة في القدس باعتقال قيادات وكوادر من الحركة، وهذا يعني أن "إسرائيل" تنفذ مخططا لزيادة الضغط على السلطة الفلسطينية للحصول على المزيد من التنازلات إلى جانب محاولة إرضاء الجمهور الإسرائيلي بعدما صدمته الهزيمة أمام المقاومة في قطاع غزة.
إذا توقف رد السلطة الفلسطينية على الانتهاكات الإسرائيلية الكبيرة باللجوء إلى المجتمع الدولي والمطالبة بحماية دولية وما إلى ذلك فإن الغضب الشعبي سيبلغ أوجه وسينفجر لا محالة في وجه العدو الإسرائيلي بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية المتراكمة.
الضفة الغربية تعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة على المستويين الحكومي والشعبي، وإسرائيل ومعها أمريكا تصران على حصار السلطة ماليًّا، ولا يمكن للسلطة أن تخفف من حصارها إلا على حساب المواطنين ومن ذلك محاولة إقرار قانون الضمان الاجتماعي، والمواطن الفلسطيني حاليًّا يدفع 30% من دخله للحكومة كضرائب ورسوم ومعاملات وغيرها وما تبقى لا يكاد يسد الاحتياجات اليومية وقد تتراكم الديون عند فئات كثيرة، ولذلك لا أستبعد أن تكون الاجتياحات الإسرائيلية الشرارة التي تشعل الضفة الغربية من جديد.