"درع الشمال" اسم العملية التي أعلن عنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، بهدف الكشف عن أنفاق يقول إن حزب الله اللبناني حفرها أسفل الحدود اللبنانية مع الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، في خطوة عدها مراقبون محاولة لصنع صورة انتصار عسكري وهمي بينما هي في حقيقة الأمر ليست كذلك.
عدة أهداف سياسية تدفع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للقيام بالعملية، وفق مختصين بالشأن الإسرائيلي تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين", الأول الهروب من واقع الفساد الذي خلقه بنفسه ولا يزال يطارده، والثاني التفتيش عن مخرج ومنقذ لورطته بعد العملية الأمنية الإسرائيلية الفاشلة في غزة.
المختص في الشأن الإسرائيلي عبد اللطيف الحصري لا يتفق مع تسمية العملية الإسرائيلية شمال فلسطين المحتلة على الحدود مع لبنان بالعسكرية، عادًا ما يجري عملية هندسية يريد رئيس نتنياهو تصدير صورة وهمية لانتصار عسكري وهو لا ينفذ أي نشاط عسكري بالمعنى العملي.
وقال الحصري: "ما يقوم به جيش الاحتلال هو تدخلات هندسية بإطار عسكري ولا يعني أنها عملية عسكرية"، لافتًا إلى أن الهدف الأول لنتنياهو من إطلاق هذه التسمية هو الهروب من واقع الفساد الذي خلقه بنفسه ولا يزال يطارده.
من جانب آخر يريد نتنياهو التخلص من فشلين متتالين الأول في العملية الاستخبارية الفاشلة في غزة، والآخر محاولة ضرب مواقع إيران وحزب الله في سوريا والتصدي الناجح للدفاعات السورية لها، لذا فهو يفتش عن مخرج ومنقذ لورطته السياسية، وفق المختص ذاته.
حرف الجدل
ويشير الحصري إلى هدف ثالث، هو رغبة نتنياهو بالتشبث بحكومته والحفاظ عليها، وذرًا للرماد في عيون منافسيه السياسيين، لحرف الرأي العام الإسرائيلي عن جدل احتمالية توقيفه بتهم الفساد، وبالتالي هو يبحث عن تصدير صورة انتصار تحجب إخفاقاته السياسية والعسكرية.
وقال: "لا أعتقد أن هناك نفقا لحزب الله كما يتحدث جيش الاحتلال، وما يجري مسرحية أكثر من كونها عملية".
وأضاف: "كان نتنياهو بحاجة لهذا المشهد للخروج من ورطته السياسية، منذ دخول القوة الخاصة الإسرائيلية لغزة وما نتج عنها من استقالة وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان ".
ولفت الحصري إلى أن الطريقة التي سافر بها نتنياهو إلى بروكسل ولقاءه هناك بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، تعطي مؤشرًا بأن ثمة محاولة إسرائيلية لجر أمريكا لمواجهات أكثر داخل المنطقة، خاصة أن الرئيس الأمريكي قد صرح مؤخرا أن إدارته لا تفعل شيئًا بالشرق الأوسط غير حماية أمن (إسرائيل).
وقال: "نتنياهو يريد جلب أمريكا إلى داخل معترك الشرق الأوسط وأن يكون لها دور أكبر في ضرب محور المقاومة لتمرير صفقة القرن".
إلا أن الحصري يتوقع حدوث عكس ما يريده نتنياهو وتعمق أزمة الأخير أكثر، مستبعدا تدحرج الأمور لمواجهة عسكرية، لأن نتنياهو يريد مواجهات جانبية غير مؤثرة توفر له صورة انتصار لترميم حالة الرأي العام الداخلي الإسرائيلي ورفع مستوى معنوياته.
تعقيدات إقليمية
ويختلف المختص في الشأن الإسرائيلي نهاد أبوغوش مع سابقه بقضية جلب أمريكا لأي مواجهة، مشيرًا إلى أن نتنياهو يطلب دعما أمريكيا في أي تصعيد محتمل كونه لن يغامر وحده عسكريا.
ويعتقد أبو غوش أن الأمر كان ممكنًا الفترة الماضية، أما اليوم فهناك جملة من التعقيدات التي تجعل أي تصعيد محفوفا بالمخاطر، فلدى ترامب حسابات داخلية تواجهه مع مجلس الشيوخ الأمريكي ولا يستطيع فتح باب آخر على نفسه، فضلا عن الوضع الإقليمي الذي لا يحتم مغامرة من هذا النوع.
ويرى أن نتنياهو يريد تعويض خيبته الأخيرة في غزة، بالاستعداد لخيارات عسكرية على أكثر من جبهة، لافتًا إلى أن نتنياهو يريد إثارة ضجة إعلامية بعملية "درع الشمال" بهدف الظهور أمام الجمهور الإسرائيلي كمنقذ ومخلص يدافع عن شعبه، ومستعد لخيارات تصعيدية مع لبنان لأجله. ويدرك نتنياهو، وفق أبو غوش، أنه كلما صعد أمنيَّا وعسكريَّا أسهم ذلك في تسويقه سياسيَّا، بالتالي نتنياهو لا يريد للأمور أن تهدأ كي لا يفتح على نفسه استحقاقات سياسية لا يغرب بها مع الائتلاف السياسي في (إسرائيل).
وقال: "بقاء الوضع متوترا والدخول في بازار الحملات الانتخابية القادمة، سيعمل على تجميد التحقيقات في قضايا الفساد حتى إشعار آخر".