كما توقعت هذه السطور قبل يومين، فقد انطلقت العملية العسكرية الإسرائيلية ضد أنفاق حزب الله المسماة "درع الشمال"، ورغم أن الحديث يدور عن عملية موضعية تعالج تهديدا محددا، لكن لا أحد يمتلك بين يديه ضمانات بعدم تدحرجها لمواجهة عسكرية ضارية.
ليس سرا القول أن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل يسعيان لأن يشكل هذا النشاط العسكري ضد أنفاق حزب الله محاولة لاستعادة الصورة الردعية التي تضررت أخيرا في المواجهة السابقة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكن حتى كتابة هذه السطور، فإن المهمة لم تنجز بعد، إن بقيت كذلك!
في الوقت ذاته، فقد شهدت الأيام القليلة الماضية جملة إشارات وشواهد كان يجب أن تشكل إنذارا لكل من يعنيه الأمر في جبهتي الشمال مع لبنان والجنوب في غزة، ومن بينها:
1- امتناع إسرائيل عن الذهاب لمعركة ضد غزة.
2- الإشارات الرمزية التي أطلقها نتنياهو في خطاباته الأخيرة.
3- تمديد ولاية رئيس هيئة الأركان غادي آيزنكوت أسبوعين إضافيين.
4- إلغاء زيارة آيزنكوت هذه الأيام إلى ألمانيا.
دخلت الأوساط المعادية لإسرائيل في العديد من الجبهات: غزة ولبنان وسوريا وإيران، في حالة من النقاشات الداخلية العاصفة حول ما قد تحمله هذه الإشارات، ومن تضع إسرائيل على أجندة اهتماماتها الأولية بين هذه الجبهات، حتى اقترب الأمر من حالة الرهانات الخطيرة، والمفاضلات الصعبة، لكن الأكيد أن جميع هذه الجبهات عاشت أياما من شد الأعصاب، حتى أعلنت إسرائيل عن عملية الشمال خلال الساعات الماضية.
الآن فقط، وليس قبل ساعات، عرفنا لماذا ابتلعت إسرائيل المنجل في غزة مضطرة مكرهة، وبدت كما لو أنها قبلت بالصفعة "مؤقتا"، لأن لها حسابات في الشمال، وليس سوى شيء آخر، وهو ما اعترفت به إسرائيل ضمنيًا عبر كتابها ومحلليها وبعض وزرائها، من أنه تم إرجاء أي تصعيد في غزة كي لا تؤثر على الجبهة الأهم والأسخن في لبنان، وهو ما تم فعلًا.
ما زلنا في بداية العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله، والساعات والأيام القليلة القادمة حبلى بكثير من التطورات، وقد تخرج هذه السطور إلى النور، وقد استجدت أحداث ميدانية جديدة.
أخيرًا.. يمكن القول بكثير من الثقة والموضوعية، أن نتنياهو يمنح لنفسه إنجازا عسكريا في أول عهده وزيرا للحرب، من حيث استمرار عملية الشمال حتى اللحظة بتقليم أظافر حزب الله دون رد الأخير، مما سيقدمه جنديا أول في الدولة بعيدا عن المزاودات الحزبية، في حين ضاعت هذه اللحظة التاريخية من خصمه ليبرمان الذي فضل الهروب والانسحاب، وهو ما يؤكد أن "الفرص كالفرس تأتي سريعًا وتمضي أسرع"، وهي تتجسد اليوم مع من يصف نفسه "ملك ملوك إسرائيل"!