تراجعت، مؤقتاً، حدة التهديدات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة من غزة، وتحولت فجأة إلى لبنان، بسبب ما تزعم إسرائيل أنها مشاريع عسكرية مطورة يقوم بها حزب الله على الأراضي اللبنانية، خاصة مصانع إنتاج الصواريخ المتطورة، التي تصفها إسرائيل بأنها "كاسرة للتوازن".
رفع مستوى التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، سواء بتصريحات الساسة، أو الجولات الميدانية للجنرالات، لا يعني بالضرورة أن المواجهة العسكرية باتت وشيكة في بلاد الأرز، فالطرفان، إسرائيل وحزب الله، ومن يقف خلفهما، يعلمون جميعاً أنها لن تكون نزهة نهاية الأسبوع، بل هي حرب طاحنة ومدمرة للطرفين على حد سواء.
فور انتهاء حرب لبنان الثانية في صيف 2006، وتشكيل العديد من لجان التحقيق وجلسات الاستخلاصات الإسرائيلية، السرية والعلنية، السياسية والعسكرية، بات واضحا أن الحرب الثالثة لن تستهدف حزب الله فقط، فالعدو القادم للجيش الإسرائيلي لن تكون قواعد الحزب العسكرية، ومعسكرات تدريبه، ومستودعات صواريخه، ومقدراته التسليحية، بل إن "لبنان الدولة" سيكون الهدف القادم للعدوان الإسرائيلي في الجبهة الشمالية، ومن أجل ذلك خرجت تهديدات إسرائيلية سابقة ولاحقة بإعادة لبنان عشرات السنوات إلى الوراء.
في المقابل، فإن ما حازه حزب الله في السنوات التي تلت وضع حرب لبنان الثانية أوزارها من مقدرات عسكرية وإمكانات تسليحية، يجعل إسرائيل في مرمى صواريخه وأسلحته، وقد لا يكون من المبالغة القول إن جبهتها الداخلية ستكون جميعها شمالا وجنوبا هدفا متاحا لقذائفه، وستشمل مقدرات بناها التحتية ومحطات الطاقة وغيرها.
هذا يعني أننا سنكون أمام شكل جديد من الدمار غير المعهود للجانبين: إسرائيل ولبنان، مما قد يستجلب، وفق بعض التقديرات، دخول أطراف أخرى على خط المواجهة، ليس سياسيا أو دبلوماسيا كما هو متوقع، بل عسكريا وعملياتيا، انطلاقا مما أسمته إيران ذات مرة، وهي "الأخ الأكبر" للحزب وباقي حلفائها بسياسة توحيد الجبهات.
تعتقد إسرائيل أن أي اندلاع لحرب لبنان الثالثة سيتطلب منها تضحيات جسيمة وخسائر باهظة، لكنها كفيلة بالتخلص من التهديد الذي يشكله الحزب، ويجعله يتصدر باقي التهديدات التي تعانيها إسرائيل في المرحلة الراهنة حاليا، ولعل ذلك ما قصده بنيامين نتنياهو في خطابه الأخير حين ذكر مصطلح "التضحيات".
لا يمتلك كاتب السطور، معلومة دقيقة تفيد بتحول جذري لدفة المواجهة الإسرائيلية من غزة إلى لبنان، لكن التركيز الجاري على الجبهة الشمالية قد يتجاوز التهديد اللفظي باتجاه تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لإمكانية خوض مواجهة هناك، باعتبار أنها أكثر حرجا وخطورة من جبهات ساخنة، إسرائيل قادرة على التعامل معها، دون عجلة لا تحتمل التأجيل!