تواصل الإدارة الأمريكية في مواقفها المعادية للفلسطينيين، بدءًا بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مرورا بنقل السفارة الأمريكية إليها، وصولا إلى تقليص جزء كبير من موازنة الأونروا، وانتهاء بالجهود الدبلوماسية التي تبذلها في الأمم المتحدة لإدانة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية على إلقاء الصواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.
في هذه الإجراءات تقف الإدارة الأمريكية على يمين اليمين الإسرائيلي، في حقبة رئاسية لم تتكرر كثيرا في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل تل أبيب تتشبث بترمب وإدارته، وكأنها تجري سباقا مع الزمن، كي تحصل أكبر وأكثر استحقاقات سياسية لم تحلم بتحقيقها في مدّة زمنية قصيرة إلى هذا الحد.
يأخذ الجهد الدبلوماسي الأمريكي والإسرائيلي مديات زائدة ومتصاعدة في إدانة المقاومة الفلسطينية، وتصويرها منظمات إرهابية معادية، الأمر الذي تسعى من خلاله إسرائيل إلى تجريد الفلسطينيين من مشروعية مقاومتهم المستندة إلى مواثيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، التي شرعنت وقوننت هذه المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي: يحتل الأرض، ويغتصب المقدسات، ويسرق الحقوق، ويسطو على التاريخ والجغرافيا.
يصعب عند قراءة السلوك الإسرائيلي الأمريكي في الأمم المتحدة تحييده عن توقيته الزمني، سواء عقب المواجهة العسكرية الأخيرة التي شهدتها غزة، والصفعة التي تلقتها إسرائيل من المقاومة، أو أي تحضيرات مستقبلية تعدها لهذه المقاومة، وتوظيف الآلة الدبلوماسية بجانب الأداة العسكرية والأمنية، كي تعملان جنباً إلى جنب، لإنجاح أي عدوان أو عملية عسكرية ضد المقاومة.
تعتقد إسرائيل -ولعلها محقة بذلك- أن الفلسطينيين حققوا نجاحات دبلوماسية سياسية واسعة في السنوات الأخيرة، وبغض النظر عن مدى ترجمة هذه الإنجازات الدبلوماسية على الأرض، لكنها تضيق هامش المناورة أمام إسرائيل لاستغلال الفضاء الأممي، وهو ما تم ترجمته عمليًّا في الحروب التي شنتها على غزة بين 2008-2018، حين تلقت الإدانات الدولية والاستنكارات الأممية، وتم اتهامها بارتكاب جرائم حرب ومخالفة القوانين الدولية.
الجهد الإسرائيلي الجاري في هذه الأيام في ردهات المنظمة الدولية تحضيرا للتصويت على قرار يدين حماس، يزداد سخونة وحماوة في الأيام القادمة، والتعاون الأمريكي الإسرائيلي ينتهج كل الوسائل والأساليب لتحصيل أكبر عدد ممكن من الأصوات إلى جانب هذا القرار الجائر، وهي فرصة لفحص مدى نتائج الجهود الدبلوماسية التي تجريها إسرائيل خلف الكواليس مع العديد من الدول التي لا تقيم معها علاقات سياسية كاملة.
لا يختلف اثنان على أن الساحة الدولية: الدبلوماسية والقانونية، لا تقل أهمية عن الساحة العسكرية والحربية، وهي حقيقة أدركتها إسرائيل منذ البداية، وآن للفلسطينيين أن يستوعبوا هذه الحقيقة، فالحروب ليس مواجهات ميدانية فحسب على أهميتها، إنما هي في بعض أوجهها حصاد سياسي وحراك دبلوماسي.. فهلا منحناها مزيدًا من طاقتنا وجهودنا؟