فلسطين أون لاين

​ما بعد التقاعد.. حياة جديدة بانتظارك

...
صورة أرشيفية
غزة/ ليلى أبو صقر

يصور كثير من الناس مرحلة التقاعد أو ما بعدها على أنها الأكثر كآبة، والمليئة بالألم والمرارة دون أن يروا فيها ولو بصيصًا صغيرًا من الضوء والأمل، وينجرف كثيرون خلال تلك المرحلة نحو حلقة متصلة من الأزمات الصحية والنفسية يرجع سببها المباشر والرئيس، كما يرى اختصاصيون، إلى سوء الاستعداد والتخطيط لهذه المرحلة.

"فلسطين" طرقت الباب بطرح نموذج لشخص بدأ تقاعده حديثًا، وحاورت رئيس قسم علم النفس في الجامعة الإسلامية د. أنور العبادسة، لتعرف منه أكثر كيف يواجه الشخص حياة ما بعد التقاعد، والتفاصيل في السياق.

مرحلة محكومة بالأمل

المعلم المتقاعد حديثًا محمد أبو صقر (60 عامًا) –عمل 38 عامًا في سلك التعليم في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا- لفت إلى أنه حقق ذاته في الحياة، لكنه لا يزال يطمح لما هو أبعد، بقوله: "ما بعد التقاعد مرحلة محكومة بالأمل إن خططنا لها جيدًا".

وتابع: "صحيح أنني غير سعيد لتقاعدي لرغبتي بإكمال مسيرتي في إعداد الأجيال القادرة على خدمة الوطن، غير أني قادر على التكيف في جميع مراحل الحياة"، مضيفًا: "هدفي لما بعد التقاعد التفرغ لعبادة الله، وإكمال مسيرتي مع أسرتي والمحافظة على مكانتي الاجتماعية بين الناس في مساعدتهم على حل مشاكلهم بخبرتي وتجاربي في الحياة".

وأشار أبو صقر إلى أن في جعبته عدة أفكار لمشاريع بدأ بالتخطيط لتنفيذها، مبينًا أن التقاعد عن العمل في البداية أثر تأثيرًا طفيفًا على صحته لأنه فارق مهنته وزملاءه بعد 38 عامًا من العطاء في مجال التعليم.

بدوره، بين د. العبادسة أن مفهوم التقاعد من الناحية الإدارية هو انتهاء عمل الموظف حسب العقد المتفق عليه عن عمر معين، وهو إنهاء مرحلة عمرية وبداية مرحلة أخرى، وفي كل مرحلة من المراحل تتغير الأدوار والرسائل التي يحملها الإنسان، قائلًا: "التقاعد ظاهرة طبيعية لأنها ستفتح آفاقا لأجيال شابة تحل محل الموظفين المحالين للتقاعد".

ولفت إلى أهمية استعداد الإنسان لاستقبال هذه المرحلة، فأدواره لا تنتهي بانتهاء الدور الوظيفي له، فما بعد عمر الستين مسارات الانسان تكون قد تحددت.

وأكد العبادسة أن هذه المرحلة قد تكون نهاية حياة أو مرحلة انطفاء أو هدم، ويعد التقاعد كأنها انتهت حياته هذا بالنسبة للإنسان السلبي، لافتًا إلى أن الإنسان الايجابي سيجد الطريقة والوسيلة التي يعطي من خلالها ويحافظ على عطائه وثرائه.

ونبه إلى أن آخر تصنيف لمنظمة الصحة النفسية WHO)) عد سن ٦٠-٧٥ سن شباب، بمعنى لا يزال بإمكانه أن يعطي أكثر، ولديه من الطاقة والنشاط لكي يعطي في الميدان.


كيف تتجاوز أزمة التقاعد؟


أما في الحديث عن الانكسار النفسي الذي قد يتعرض له المتقاعد أو المقبل على مرحلة التقاعد، فقال العبادسة: "إن الانكسار النفسي لا يمكن تعميمه، وعلى الإنسان تهيئة نفسه للتقاعد حتى لا يحصل انكسار، بإيجاد أو خلق أدوار جديدة".

وأردف قائلا: "بالإجمال معظم الناس وخاصة في مجتمعنا الفلسطيني يتكيفون مع حالة التقاعد، ويجدون مصادر السعادة، ويمكن أن يكونوا في أكثر مراحل الحياة سعادة, لأنه يوجد أهداف جديدة لهم في الحياة".

وركز العبادسة في حديثه على أن الإنسان بطبيعته لديه المرونة والقدرة على التكيف مع باقي مراحل الحياة، متابعًا: "هناك عدة عوامل قد تؤدي إلى الانكسار النفسي للمتقاعد ومنها المادية، وموقف الأبناء منه، والقرارات الخطأ".

وبين أن الإنسان عند وصوله لمرحلة التقاعد يكون أبناؤه في عمر ٤٠عامًا تقريبًا، فتصبح قيمة الأب أكبر، ويتقرب الأبناء من الآباء أكثر، ولكي لا يعيش الإنسان أزمة ما بعد التقاعد يجب أن تكون لديه أهداف روحية كقراءة القرآن والصلاة في المسجد، وتقوية صلته بربه، وأهداف اجتماعية، ويخطط للتقاعد قبل الوصول إليه.

وأوضح العبادسة أن التخطيط لمرحلة التقاعد أو ما بعدها مسألة نسبية وفروق فردية، مضيفًا: "هناك فرق ما بين تقاعد العامل وما بين المعلمين والأطباء، فالعامل أو الصنايعي دوره وجهده البدني ليس له امتداد بطبيعة مهنته السابقة، ولا يوجد تقاعد بين الأطباء ما لم يخرف، والمعلمون يمارسون دور الإشراف الميداني كمشرفين تربويين"، وعدّ أن البعض مهنتهم تسمح لهم بالعطاء والعمل لوقت أطول.

ولفت إلى أن المتقاعد قد يكون له دور اجتماعي من واقع تجربته وخبرته فتصبح له القدرة على حل مشكلات الناس، وعدها مرحلة الاستعداد للآخرة يوثق صلته بربه فبذلك يكون مرتاحا نفسيًا.

ونبه العبادسة إلى أن: "كل إنسان له خط سير خاص به ممتد من المراحل السابقة يمكن بعد التقاعد أن يتخذ أدوارًا جديدة، فتصبح حياته لها معنى ووجوده له معنى، وعندما لا يوجد معنى لحياته يبدأ الإنسان بالتلاشي".