فلسطين أون لاين

​بحجة عدم قبول العوض..

لا يجوز تنازل الولي عن حق القاصر لدى الجاني

...
د.ماهر السوسي (أرشيف)
غزة - نسمة حمتو

شرع الإسلام عقوبة "القصاص" على إتلاف ما دون النفس، وما دون النفس تعني كل اعتداء على جسم الإنسان يؤدي إلى تلف عضو من أعضائه دون القتل.

ويكون القصاص وفق الشرع إما بأن يتلف المجني عليه للجاني العضو ذاته الذي أتلفه له، وفي ذلك قوله تعالى: ""ولكم في القصاص حياة"، وقوله عز وجل: " كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّه ".

"فلسطين" أوردت تفاصيل حول القصاص بمحاورة أستاذ الفقه المقارن المشارك في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية، د.ماهر السوسي، ولمعرفة هل يحق لولي الأمر أن يتنازل عن حق من تولى أمره عند الجاني؟ وما هو الحكم الشرعي في هذه القضية؟

حق المجني عليه

د. السوسي قال إن الدية تبين حق المجني عليه في القصاص من الجاني، مشيرًا إلى أن الشريعة الإسلامية منحت المجني عليه حق التنازل عن القصاص إلى الدية وهي حق مشروع مقابل إتلاف عضو من أعضاء المجني عليه.

وأضاف: "ذلك لأن تلف أي عضو من أعضاء المجني عليه سيتسبب في عجز المجني عليه عن القيام بوظائفه الحياتية، وقد يكون عالة على المجتمع، حيث إنه في غالب الأحيان لا يستطيع إعالة نفسه ولا من يعيلهم إذا كان له زوجة وأبناء أو أب أو أخت".

وتابع قوله:" من أجل ذلك كانت الدية إذا تنازل المجني عليه عن القصاص، وهناك الكثير من الجروح التي جعل في مقابلها الإسلام أيضًا دية أو ما يسمى في اصطلاح الفقهاء "الحكومة" أو "الأرش"، وكلاهما يدل على ما يدفعه الجاني للمجني عليه مقابل العجز الذي تسبب به له".

يشار إلى أن الأرش بفتح الألف وتسكين الراء، يطلق على بدل ما دون النفس من الأطراف، وسمي أرشًا لأنه من أسباب النزاع، يقال أرشت بين القوم إِذا أوقعت بينهم، وقيل أصل الأرش الخدش.

وأكمل د.السوسي حديثه: "وعلى هذا فإن هذا المال هو حق مشروع للمجني عليه وما شاع بين الناس أن "العوض" هو أمر غير صحيح، وهذا أمر لا أساس له في الشريعة الإسلامية رغم أنها استحبت تنازل المجني عليه عن حقوقه أو عن جزء منها ولكن هذا من قبيل الاستحباب فقط في حق المجني عليه إن كان بالغا عاقلا".

إلحاق الضرر

ونبه أستاذ الفقه المقارن إلى أنه لا يصح تحريم التعويض وعده أمرًا يضر بالمجني عليه ، لافتًا إلى أنه إذا كان المجني عليه صغيرا أو كان تحت الوصاية لسبب من الأسباب فإنه لا يجوز لأوليائه أن يتنازلوا عن حقه في التعويض بأي حال من الأحوال ولو كان الولي أبا للقاصر.

وبين د.السوسي أن القاعدة الشرعية تنص على أن "تصرف الولي أو الوصي على الصغير منوط بالمصلحة، ومعلوم بداهة أنه ليس من المصلحة أن يتنازل الولي عن حقوق الصغير".

وأكد أن الشريعة الإسلامية هي التي قررت هذا الحق للمجني عليه بدليل الآية "كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ"، مضيفًا:" لذلك لا يمكن للشرع أن يعطي الإنسان حقا من جهة ثم يعاقبه على أخذه لهذا الحق من جهة أخرى"؟

وقال:" إن ما شاع عند عوام الناس من إلحاق الضرر بمال المجني عليه إذا أخذ حقه من الجاني، هذا خطأ ما أنزل الله به من سلطان ولا أصل له في شريعة الإسلام".

أهمية التسامح

وشدد على أن الشريعة الإسلامية قد أعطت المجني عليه حق التعويض عما تعرض له من ضرر نتيجة الاعتداء عليه لكنها أيضًا دعت إلى التسامح بين الناس وإلى العفو لقول الله سبحانه وتعالى: "ولا تنسوا الفضل بينكم"، وقوله: " فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّه"، فهذا الشطر من الآية يحض الناس على العفو والتسامح".

وتابع قوله: "الأمر يتعلق بما يحدثه هذا العفو على شخص الجاني فإن كان الجاني مما عهد عليه الاعتداء على الناس وإلحاق الأذى بهم فإنه لا علاج له سوى أخذ التعويض منه، أما إن كان بمن اشتهروا بالمسالمة وظهر أن اعتداءه لم يكن بقصد، فنرى أنه من الأفضل التسامح معه".