ما إن تخبو جذوة المقاومة في الضفة الغربية بفعل فاعلين كثر، حتى تعود أقوى مجددا، تستهدف المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، منطلقة من إرادة فلسطينية فردية بعيدة عن التنظيم والتخطيط والإعداد المسبق الذي وأدته آلة التنسيق الأمني الضاربة في أعماق الضفة، طولا وعرضا.
جاءت عملية الدهس الأخيرة لجنود الاحتلال شمال مدينة الخليل، بتنفيذ الممرض الشهيد رمزي أبو يابس لتعيد طرح الأسئلة القديمة الجديدة: ما الذي يجعل ممرضا ناجحا، تتوافر لديه أسباب الحياة الكريمة، يبادر لتنفيذ العملية دون دافع من أحد، وتخطيط من جهة، وتمويل من ثانية، وتكليف من ثالثة؟ ولماذا يقرر هذا الممرض البارز أن يضع حدا لحياته من خلال العملية التي لم يظن لحظة واحدة أنه سيخرج منها حياً يرزق؟
أسئلة تبدأ ولا تنتهي عقب كل عملية وهجوم يستهدف القوات الإسرائيلية في قلب الأراضي الفلسطينية، دون أن نجد لها إجابة واحدة متفق عليها إلا في كون الواقع الأمني والسياسي المتردي في الضفة الغربية، الذي لم يعد قابلا للسكوت عنه.
لم تضع إسرائيل يدها على أشرف نعالوة رغم مرور عدة أسابيع على تنفيذ عمليته البطولية ضد المستوطنين الإسرائيليين، رغم ما بذلته من إمكانات أمنية وقدرات عسكرية وبحث مستفيض في أرجاء الضفة الغربية، حتى أنها لم تبقِ حجرًا على حجر، وكأن أشرف ذهب في بطن الحوت آمنا مطمئنا.
تكرار هذه العمليات والهجمات تعطي مصداقية للتقديرات الإسرائيلية التي تعطي الأفضلية والأولوية في التعامل الأمني مع الضفة الغربية أكثر من سواها، على اعتبار أن الساحة هناك مشتعلة وقابلة للانفجار في أي لحظة، لكثرة التداخل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الجنود والمستوطنين، بجانب حالة الجمود السياسي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، فضلا عن التغول الاستيطاني الذي لا تبدو عليه علامات التوقف في قادم الأيام.
هذه الأسباب وسواها تجعل عوامل الاشتعال في الضفة أقرب من أي وقت مضى، صحيح أن كوابح هذا الاشتعال تجتمع فيها الجهود الفلسطينية "الرسمية" والإسرائيلية، لكن منذ متى كانت الانفجارات الشعبية قابلة لكبسة زر فتنطلق، ثم كبسة أخرى فتتوقف؟
عملية الدهس في الخليل تصب مزيدا من الزيت على نار التوتر الأمني في الضفة الغربية، ولو أن هناك جهدا فلسطينيا "رسميا"، لن أقول داعما لهذه العمليات، فهذا قد لا تطيقه السلطة الفلسطينية، لكن على الأقل تخفيف القبضة الأمنية على المقاومة، ولو من باب إرسال رسائل سياسية لإسرائيل، ربما تغيرت وقائع الميدان داعمة للسياسة، رغم اختلاف الأهداف والغايات في مداها القريب والمتوسط.