عندما عملت وزيرًا للأوقاف في حكومة فلسطين العاشرة وقفت على ما يمكن تسميته بملف فساد تعامل السلطة التنفيذية مع الوقف الإسلامي، وأذكر من هذا اعتداء كبار الشخصيات على أرض من الوقف الإسلامي في غزة والضفة، ومنها أيضًا حج كبار رجال السلطة ومنحة رئيس السلطة من مال الحج، وهو بمئات آلاف الدنانير، وقد اجتهدت في حينه على متابعة ملف الاعتداء على أرض الوقف، وإيقاف المعتدين، وتمكنت من استرجاع ما أنفق على حج كبار رجال السلطة من وزارة المالية لمدة سنة، ولم أتمكن من استرجاع أموال تخص حج عامين آخرين دفعتها وزارة الأوقاف، وكان الأصل أن تدفعها وزارة المالية؟!
كان وكيل وزارة المالية يخاف الله، وكان يستشعر حرمة الاعتداء على مال الوقف رغم الضائقة المالية في ذلك العام، وقد اتفق معي الرجل وكان متعاونًا، وكذا كان مجلس الوزراء متعاونًا من وجهة شرعية أيضًا.
أسترجع هذا الذي اطلعت عليه في عام ٢٠٠٦م بمناسبة ما قرأته في جريدة فلسطين بتاريخ ٢٥/١/٢٠١٧ عن وقف الصحابي الجليل تميم الداري في الخليل حرسها الله، وكيف أن سلطة رام الله وضعت يدها على أراضٍ من وقف تميم الداري رحمه الله بحجة المنفعة العامة في عام ٢٠١٦م، ثم كيف احتجت عائلات التميمي في الخليل لاحقًا وقبل أيام على قرار السلطة إهداء هذه الأرض الوقفية الإسلامية إلى الكنيسة الروسية؟! وهو ما دفع العائلات إلى مطالبة سكان الخليل بالتكاتف من أجل الدفاع عن هذا الوقف، ومنع تسريبه أو إهدائه للكنيسة الروسية، لأن هذا لا يجوز شرعًا ولا عقلًا ولا قانونًا، وهو من المحرمات التي يأثم مقترفها، فالموقف في الشريعة أن الوقف لما أوقف إليه، ولا يجوز فيما أحسب اللعب به وتغيير وصية الواقف أو مخالفتها، ومن المؤكد أن تميم الداري الصحابي الجليل يرفض لو كان حيًا إهداء ما أوقفه على الإسلام والمسلمين إلى الكنيسة.
إن موقف العائلات موقف صحيح، وإن دعوتها لجماهير الخليل لحماية الوقف هي أيضًا دعوة صحيحة، ويجدر أن يتفاعل معها كل مسلم من سكان الخليل وغير الخليل أيضًا، ويجب على السلطة احترام شروط الواقف ومعايير الوقف، وعدم التصرف فيها على غير الوجه الشرعي المذكور في الوصية، مهما طالت المدة، وتباعد الزمن، فما كان لمستشفى فهو له، وما كان لجامع، أو مدرسة، فهو لهما، دون أدنى تغيير.
أعلم أن هناك فسادًا ما في ملف الوقف الإسلامي من خلال اعتداءات السلطة والقيادات المتنفذة فيها عليها، ولكن لم أكن أتصور أن يبلغ الأمر لإهداء أرض صحابي وقفية لكنيسة روسية؟!
إن المصالحة مع الله هي أولى من كل العلاقات السياسية، وهي رأس مالنا لكي ينصرنا الله ويحرر أوطاننا، لذا يجب منع ذلك التصرف بكل السبل القانونية والشرعية والشعبية أيضًا، ويجب على كل سكان فلسطين المحتلة نصرة المحتجين من عائلات التميمي في الخليل، وكف يد السلطة عن التصرف في الوقف وفق اعتبارات سياسية.