ما يفتأ أحدنا يبلع ريقه من اختراق إسرائيلي في دولة عربية، حتى يعض على شفتيه وهو يرى اختراقا آخر، وكان آخرها زيارة رئيس تشاد إلى تل أبيب، في مظهر بقدر ما يحقق إنجازًا إسرائيليًّا، فهو يعني طعنة نجلاء للفلسطينيين.
تزايد الزيارات السرية منها والعلنية، بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية، يطرح أسئلة تبدأ ولا تنتهي، حول القدرة التي تحوزها إسرائيل حتى تفتح لها بوابات عربية وإسلامية، دون وجود حدود جغرافية معها، أو مصالح أمنية وسياسية مباشرة.
من هذه الأسئلة المحرجة التي ليس لها إجابة، وما أصعبها: ماذا لدى إسرائيل من قدرات ومصالح تجعل هذه العواصم العربية والإسلامية تمد جسور التعاون والتنسيق والتبادل مع تل أبيب؟ ولماذا تقفز هذه العواصم مئات وآلاف الكيلومترات رغبة منها بمصافحة زعماء إسرائيل، وما هو المقابل الذي تحصل عليه منها، وهل امتد النفوذ والتمدد الإسرائيليين إلى هذا الحد الذي يتجاوز محيطها القريب منها، كي يصل إلى ما هو ما وراء البحار.
لم نكد نستفيق من زيارة نتنياهو إلى سلطنة عمان، حتى توالت مشاركة الوفود الرياضية الإسرائيلية إلى قطر والإمارات، وصولا إلى التحضير لزيارة قادمة إلى البحرين، وبرغم ما كان كلام ترامب حول المصلحة الإسرائيلية في استقرار الدولة السعودية صادما، حتى تفاجأنا بزيارة رئيس تشاد إلى تل أبيب، و في ذروة هذه الصدمة يأبى نتنياهو إلا أن يصب مزيدا من الملح على جراحاتنا المتفتحة، ويعلن أن دولا أخرى عربية قادمة في الطريق لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
اللافت فعلا أن هذا التمدد الإسرائيلي في المنطقة العربية والإسلامية، بمختلف مسمياته: السياسية والاقتصادية والأمنية، لم يكن بمثل هذا الوضوح والانكشاف في ذروة مسيرة التسوية، مما يمكن أن يتم تسويغه وشرعنته بدافع أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يشهد عصرا من الانفتاح، وبالتالي قد تستسيغ هذه العواصم العربية والإسلامية لنفسها أن تمد جسور التعاون مع إسرائيل.
هذا التزامن غير العفوي، يشبه بلغة الرياضيات التناسب العكسي، وليس الطردي، ففي الوقت الذي تشهد العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية برودا وفتورا إلى حد القطيعة، على الأقل في المستوى السياسي، وتحديدا منذ توقف المفاوضات قبل أربع سنوات، فقد كان من المتوقع أن تتضامن هذه العواصم العربية والإسلامية مع أشقائهم الفلسطينيين، أصحاب القضية الأساسية، لا أن يطعنوهم من الخلف، ويبرموا صفقات ويقيموا علاقات مع هذا المحتل بمعزل عما تشهده القضية الفلسطينية.
لم يتوقف قطار التطبيع العربي الإسلامي مع إسرائيل عند هذا الحد، ولا أظنه يتوقف في قادم الأيام، فمن الواضح أن هذه العواصم شهدت، وما زالت تشهد، زيارات وتنسيقات وترتيبات، بعيدة عن الكواليس والإعلام، وكأنها تشجع إسرائيل في غيها واحتلالها وبطشها بالفلسطينيين، الذين يجدون أنفسهم يعلنون في كل مناسبة شعار "يا وحدنا.. يا وحدنا"!