ما زال الإسرائيليون منشغلين بحل شيفرة الخطاب الشهير لرئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو الذي تحدث فيه عن خطر محدق بالدولة، دون أن يحدد وجهته وجبهته وجغرافيته، ما أشغل الرأي العام وأوساط المحللين، وصولًا ببعض دوائر القوى السياسية، الائتلافية والمعارضة.
تحدثت هذه السطور بما فيه الكفاية عن غزة، والسجال الدائر بين الإسرائيليين، والنقاش الذي يشهدونه بين داعٍ لحرب جديدة، أو مطالب بإبرام تهدئة طويلة، ويبدو أن للرأيين وجاهته، وأسانيده التي يعتمد عليها.
لكن توسيعًا لدائرة الحديث الإسرائيلي وصل مؤخرًا لتركيز الأنظار نحو الجبهة الشمالية، التي تضم سوريا ولبنان، سواء بسبب الوجود الإيراني المكثف في الأولى، ورغبة طهران بإقامة قواعد عسكرية على حدود الجولان السوري المحتل، أو حديث إسرائيل الزائد عن إقامة حزب الله لمصانع إنتاج الصواريخ الدقيقة في قلب بيروت، بعد أن أحبط طيرانها على مدار عامين كاملين كل جهود إيران لنقل شحنات من هذه الصواريخ للحزب عبر سوريا.
عند الحديث عن حقيقة توجهات إسرائيل نحو لبنان، وليس غزة، وفقًا لخطاب نتنياهو، الذي يوصف بخطاب "الدم والعرق والدموع"، فإن ذلك يجدر أن يسبقه إجراء ترتيب للتهديدات الأمنية المحيطة بالدولة.
تعتقد الأوساط العسكرية الإسرائيلية أن التحديات المحدقة بها تصنف على النحو الآتي: غزة الأكثر حرجًا، لبنان الأكثر خطرًا، سوريا الأكثر تعقيدًا، وإيران الأبعد مدى، وفي ظل وجود مساعٍ فلسطينية، وإسرائيلية، وإقليمية، ودولية لإبرام تهدئة في غزة، وتحقيق ترتيبات إنسانية تضمن استقرار هذه الجبهة المتوترة منذ ثمانية أشهر، فإن ذلك قد يعمل على تحييدها، وإبعاد شبح الحرب عنها.
هذا التشريح الميداني قد يعني بالضرورة تصدير إسرائيل للخطر الثاني المتمثل في لبنان، لا سيما حالة التقوي المتصاعدة في قدرات حزب الله التسلحية، خاصة مع بوادر انتهاء الحرب السورية، وإمكانية عودته لقواعده العسكرية في لبنان، تزامنًا مع تقارير إسرائيلية وصلت حد أن يتحدث نتنياهو على منصة الأمم المتحدة قبل أشهر عن تلك المصانع، رغم الكلفة الباهظة إسرائيليًّا لأي مواجهة قد تنشب مع حزب الله أضعاف ما قد تدفعه في غزة!
لا يمتلك أحد دليلا على صدقية المزاعم الإسرائيلية، لكن يبدو من الصعب على نتنياهو أن يلقي اتهاماته هكذا جزافا، دون أن يسلم حلفاءه في الغرب إثباتات وبراهين تؤكد ما ذهب إليه، مما يقرب فرضية استهداف الحزب بضربة إسرائيلية مبادر إليها، وهو ربما ما قصده نتنياهو، لأن تلك المصانع قد تصل مستوى التهديد الاستراتيجي.
أخيراً.. ما زلنا في طور التخمين والتكهن بتحليل ما ذهب إليه نتنياهو، وترجيح كفة أي الخيارات والجبهات المرشحة لترجمة تهديداته سلوكا واقعا على الأرض، دون أن نستثني أي جبهة، مهما بدت فرص اندلاعها متواضعة!