فلسطين أون لاين

​هالة.. من بعد عتمة الليل تنفس الصبح

...
غزة/ مريم أبو عاصي:

تقف الحياة أحيانًا حجر عثرة في طريق شخص ما، لكن هل يقف مكتوف الأيدي أمام هذا الحجر، أم يزحزحه من طريقه، ويمضي قدمًا نحو هدفه، مهما كلفته الظروف؟.. الخيار الثاني هو ما اتخذته الغزية هالة أبو الليل (22 عامًا) سبيلاً لها في حياتها، و"فلسطين" تروي قصتها.

تقول أبو الليل: "حصلت على شهادة الثانوية العامة، وكنت أحلم بإكمال مسيرتي التعليمية، غير أن الأحوال الاقتصادية لعائلتي كانت عائقًا أمام الدراسة الجامعية"، مؤكدة أنها لم تستسلم وكافحت كثيرًا وكلها أمل بأن تكمل دراستها الجامعية.

لم تجلس أبو الليل في منزلها، وتضع يدها على خدها تبكي حسرة الأحوال الاقتصادية، بل ذهبت إلى روضة أطفال، وتدربت فيها لمدة ثلاثة أشهر، ولا تنسى المواقف التي كانت تمر بها وهي في طريقها إلى الروضة، "فذات مرة كنت أقف بانتظار سيارة أجرة لتقلني إلى الروضة، فإذ بسائق يلوح بيده، قائلاً: "جامعة؟""، كما تقول.

هذا السائق لمس جرحًا غائرًا بداخلها، فهو لا يعرف كم تنتظر هالة بشغف اليوم الذي ستستطيع فيه إكمال دراستها الجامعية، فعملها في الروضة ليس هو المكان الذي تحلم بالبقاء فيه طويلاً، فبعد مدة حصلت على دورة تجميل وعملت في صالون تجميل لمدة عام ونصف، وأثبتت جدارتها في العمل، لكنه أيضًا لم يكن نهاية طموحها.

علامة الحزن رسمت خطوطها على وجه هالة، وهي تقول: "بعد عامين من حصولي على الثانوية العامة، تعرض منزلنا للهدم الكلي في عدوان الاحتلال الإسرائيلي 2014 على قطاع غزة، وهنا كانت البداية التي أعادتني لحلمي".

أشرق وجهها مجددًا، وهي تتابع: "جاء أخي الكبير تغمره سعادة كبيرة، وهو يزف لي أنه يحمل خبرًا جميلاً، فقد أخبره صديق أن الكلية الجامعية تقدم منحًا لذوي البيوت المدمرة"، مضيفة: "لم أصدق الخبر للوهلة الأولى، ومع أني أنتظر هذه اللحظة كثيرًا، إلا أنه كان يجب التأكد من صحة المعلومة، وفعلا ثبتت صحتها".

ماذا بعد التخرج؟

انطلقت هالة مصوبة وجهتها باتجاه الكلية الجامعية لتستفسر عن التخصصات المسموح التسجيل فيها ضمن المنحة، وكانت تطمح لدراسة تخصص الصحافة والإعلام، مع أنها قوبلت برفض العائلة إلا أنها استطاعت إقناعهم بالموافقة، وسجلت في تخصص العلاقات العامة والإعلان.

وفي أول يوم لها في الجامعة، وقفت على ناصية شارع الجامعة، وهي تحدث نفسها أنها وأخيرًا ذاهبة نحو تحقيق هدفها وحلمها.

لكن منحة البيوت المدمرة كانت لفصل واحد فقط، ومع ذلك لم يثن هذا عزيمة هالة، فإخوتها وقفوا جميعًا معها لمساعدتها في إكمال دراستها، وكانت حريصة جدًا على الاجتهاد في الدراسة لتحصل على منحة الامتياز وتخفف عبء نفقات الجامعة عن عائلتها، وكان لها ما أرادت من الحصول على منحة طلبة الامتياز.

بابتسامة خافتة، تقول أبو الليل: "سعادة كبيرة كانت تغمرني وأنا أستطيع إكمال دراستي الجامعية، وأنه أصبحلي كياني ومكانتي بين الناس، وأكملت بشغف تلك المسيرة حتى آخر لحظة في قاعات المحاضرات، وفي الواقع لم أرد أن تنتهي حياتي الجامعية لجمال ما حققته".

ماذا فعلت هالة أبو الليل بعد تخرجها من الجامعة؟ تجيب: "ذات مرة بعد أداء إحدى الصلوات، جاءتني فكرة صنع بعض الهدايا باستخدام الفوم والجليتر، أسرعت أخبر والدتي، إلا أنها لم تشجعني، فمن سيشتري من؟!".

لكنها لم تستسلم، وذهبت في اليوم التالي إلى السوق، واشترت بعض المواد الخام، وصنعت قبعات تخرج، وسوقتها عند الطالبات في وقت التدريب لحفل التخرج، ولاقت الفكرة رواجًا لم تتخيله، وفي اليوم التالي صنعت عددًا أكبر وباعته كله، واستمرت على هذا المنوال طيلة وقت حفلات التخرج.

في البداية كانت تجد صعوبة لعدم قدرتها على شراء فرد سيليكون، فكانت تضطر لإذابة السيليكون باستخدام الشمع والنار، فكانت تحرق أصابعها، لكنها فيما بعد استطاعت شراء فرد سيليكون وسهّل عملها كثيرًا.

وتوسع نشاط هالة أكثر بعد معرفة صديقاتها أنها تصنع بالفوم كل ما يمكن أن يطلبنه من أشكال، فطلبن منها صناعة بعض الهدايا، وأصبحن يروجن لها بحديثهن لفتيات أخريات، وتطورت أفكارها في العمل يومًا بعد يوم، وتزايد الطلب على ما تصنع من هدايا.

ولأن دراستها الجامعية في تخصص الصحافة والإعلام في العلاقات العامة، عملت عدة أشهر في الجانب الإعلامي في دار القرآن الكريم والسنة، لكنها حتى في هذه الأشهر لم تتوان عن العمل في الفوم وصناعة الهدايا التي أصبحت جزءًا منها، ومصدر رزق لها، في إطار الأحوال الاقتصادية التي يمر بها قطاع غزة.

أخيرًا.. ماذا تقول هالة؟.. بكلمات مقطرة بالدموع، وبقطرات عرق من جبينها، تقول: "على كل شخص ألا يتوقف عن الحلم بتحقيق هدفه، وأن لا ييأس مهما كانت الأحوال، وأن يحاول البدء بخطوات صغيرة ليصل لحلمه"، مشيرة إلى أن كثيرا من الخريجين يعلقون فشلهم على شماعة الحصار والبطالة وغيرها لكن بتجربتها لمشروعها الصغير أثبتت أنه لا عيب في العمل، وأنها أفضل ألف مرة من أن تمد يدها للناس.