"نحن في وسط أحد المواقف الأمنية الأكثر تعقيدا، ما زلنا في أوج حملة أمنية كبرى، وأنا ملتزم باستكمالها من أجل توفير الأمن الكامل لسكان الجنوب".. هكذا تحدث بنيامين نتنياهو في خطابه الأخير..
لم يعرف أحد من الفلسطينيين والإسرائيليين دقة ما يقصده، باستثناء عدد قليل محدود جدا من الجنرالات، لكن تكشف التطورات الميدانية في غزة يوما بعد يوم منذ انكشاف أمر القوة الأمنية الإسرائيلية الخاصة في الحادي عشر من نوفمبر، بدأ يمنحنا بعض تفاصيل الصورة غير الواضحة.
بقيت التخمينات والتكهنات سيدة الموقف في التعليقات والقراءات والتحليلات، حتى أعلنت كتائب القسام في الساعات الأخيرة عن صور أفراد القوة الإسرائيلية التي دخلت غزة، مما أثار جدلا وردود فعل كبيرة في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية.
لم يغب الترحيب الفلسطيني بهذه الخطوة الأمنية النادرة، بل كانوا بحاجة لها، من أجل تبديد الصورة النمطية عن المخابرات الإسرائيلية، في كونها قوة "سوبر" لا تخطئ ولا تنكشف، تجول الكرة الأرضية، تقتل هنا، وتخطف هناك، وتتجسس هنالك، حتى انكشف أمرها في غزة، في ظل يقظة مقاتليها الميدانيين وعيونها الساهرة.
أما الإسرائيليون، فأدركوا منذ مقتل الكولونيل أنهم أمام مشكلة معقدة، تزداد تعقيدا مع مرور الوقت، وجد تعبيره في عدة مؤشرات لعل أهمها في خطاب "الدم والعرق والدموع" لنتنياهو، وكان واضحا أن الرجل الذي بدا كسيرا جريحا، يخفي شيئا، وشيئا ثقيلا، اليوم ربما عرف السبب حتى يبطل العجب!
الرد الإسرائيلي المباشر على كشف القسام لصور أفراد الخلية الأمنية جاء "متخلفاً"، هكذا وصفه الإسرائيليون أنفسهم، حين أعلنت الرقابة العسكرية عدم تداول الصور على شبكات التواصل، وكأننا نعيش في زمن التلفزيون الأبيض والأسود، وقابله الإسرائيليون بالبحث عن هذه الصور، فكل ممنوع مرغوب، لكن رد الفعل الإسرائيلي هذا يفسر حالة الذهول والإرباك الذي عاشته المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وما زالت تعيشه!
السؤال الذي يتردد حتى الآن في مقار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يتعلق بما حصل بالضبط مع قوة النخبة التي تم كشفها على مشارف خانيونس، وكيف تم كشف ما لا يجب كشفه، وبهذه السرعة، وعلى ماذا وضعت استخبارات المقاومة يدها أكثر مما نشرته، وماذا قد تعد من مفاجآت ثقيلة العيار.
الواضح أن أحدا إسرائيليا ما غفي في "الحراسة"، ربما رأى عناصر القوة الإسرائيلية "الغابة" على حدود غزة، لكنهم بالتأكيد لم يلاحظوا "الأشجار"، وهكذا توزعت صور عناصر النخبة الإسرائيلية على ورق الشدة و"الكوتشينا"، ويتداولها صبية غزة على صفحات الفيسبوك، يخوضون معهم لعبة البوبجي... أي فضيحة لمخابرات (إسرائيل) في شوارع غزة وأزقتها؟