انطلقت مسيرات العودة الكبرى في ظروف انسداد سياسي واقتصادي غير مسبوق، سواء على صعيد القضية الفلسطينية ومشروع تصفيتها ولغة بعض أطراف الإقليم تجاهها، مع فتح أبواب تطبيع معيبة مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث تحتفل (إسرائيل) بالذكرى الـ(70) للدولة في عواصم عربية، ووفود الإمارات والبحرين تشارك في سباق طواف إيطاليا تنطلق من القدس في ذات المناسبة، ونتنياهو في مسقط ووفوده الرياضية في الدوحة وأبو ظبي، مع لغة تنكر للفلسطينيين واحتفال بالمحتل بلسان عربي مبين.
وكذا كانت في أجواء مسارعة الخطى لترامب في صفقته لشطب القدس، وإلغاء حق العودة، وضم الضفة، وحصار غزة حتى الركوع لمشروع نتنياهو اليميني، بينما السيد عباس يوصد الأبواب في وجه المصالحة، مكرسًا حالة من ما يسمى الإجراءات الانتقامية ضد غزة، وعقد مجلس وطني انفصالي، وكل ذلك أدخل القضية الفلسطينية في إطار تصفوي، فضلًا عن حالة اقتصادية متردية في غزة في ظل حصار متزايد.
#مسيرات_العودة مشروع وطني طموح ويشكل حالة إجماع فلسطيني غير معهود من مدة، ولكنه كذلك يعيش تحديات صعبة في مستوى قدرته على التأثير لصالح الحق الفلسطيني، ومن ذلك درجة الجاهزية لغزة التي حملت عبء المرحلة الخطرة، والمفترق الصعب الذي تحياه القضية الفلسطينية، وفي ظل تنكر لغزة وأهلها، ولكن بقي التحدي قائمًا في قدرة غزة على الحشد الجماهيري بمئات الآلاف، واستحداث فعاليات، وإرباك الاحتلال بمفاجآت، مع الحفاظ على درجة عالية من السيطرة والضبط والتحكم، واكتمال الصورة بالإجماع الوطني اللافت في مشهد غزة.
وبالتأكيد فإن ردود الاحتلال وقمعه للمسيرات يشكل منحنى المشهد لمسيرات العودة مستقبلًا بعد اتفاق الهدوء، وهذا بالتأكيد سيحكم سيناريو مسيرات العودة وذهابه باتجاه مواجهة عسكرية جديدة، وعدوان على غزة قد يكون الأشرس والأكثر دموية، وبالتأكيد حالة الخسائر البشرية وتصاعدها وخاصة في الجرحى والإعاقات درجة تأثيره عالية على الروح المعنوية التي يبدي الشعب الفلسطيني الكثير من الفدائية، علاوة على ذلك؛ يبقى سؤال كبير بدرجة التحاق ساحات جديدة بالفعل الثوري الشعبي لمسيرات العودة خاصة في الضفة، وعلى الحدود مع لبنان وسوريا والأردن، وهذه ستحكم المنحنى التصاعدي التاريخي لمسيرات العودة الكبرى وقدرتها على الفعل والإرباك والإنجاز.
إن المستحضر لتاريخ الثورات وأهدافها يمكن أن يقرأ بشكل عميق حجم الوعى والثورة وإرادة التضحية التي تتملك الشعب الفلسطيني وهو ينطلق لمسيرات العودة الكبرى في فعل ثوري تصاعدي صوب حدود قطاع غزة، ليدشن مخيمات العودة، ويعيد حالة الاشتباك إلى سيرتها الأولى بين شعب مهجر لاجئ ومحتل غاصب.
كما تعيد مسيرة العودة إلى الواجهة الصورة الحق في توصيف الاحتلال كدولة إرهاب، وأنه (إسرائيل) هي مصدر الإرهاب الأول في العالم، ومن هنا فإن مسيرة العودة تعيد رسم الصورة الذهنية للاحتلال.
وتبرز المسيرات مجددًا أن المقاومة ومنها السلمية شرف الأمة والضوء الذي في نهاية نفق طويل معتم، وأن فخر الانتماء للمقاومة التي يجسدها شعب فلسطين أعظم ومحل فخر وتقدير من الانتماء إلى دهاليز النفاق والسياسية والمفاوضات العبثية.
ومسيرات العودة تعيد الاعتبار إلى خطاب الأولويات في ظل تيه المرحلة وتشتت الجمع، والأولوية الفلسطينية في الاحتشاد دفاعًا عن الحق والأرض المغتصبة، وفي إعادة الاعتبار لأهم قضية (حق العودة) وتثبيتها في أذهان أجيال الشعب الفلسطيني والعربي بعد 70 سنة من النكبة.
مسيرات العودة تملك رسالة للعالم مفادها أن الشعب الفلسطيني عصي على الذوبان، وأنه يبدع من ألمه أملًا، ومن جراحه يعزف لحنًا للحرية، وميادين مخيمات العودة توصل لغة واضحة للعالم أن خزان الإبداع المقاوم للشعب الفلسطيني لم ينفد، بل إنه متطور بحرفية عالية وصبر لا محدود.
تصل رسالة مسيرة العودة أن الشعب الفلسطيني يرغب في العمل الموحد، وأن ما يجتمع عليه الشعب الفلسطيني أكثر بكثير مما يفرقه، وأن وجود استراتيجية واضحة في المقاومة ومنها السلمية يمكن أن تكون نقطة التقاء جامعة للفرقاء، وعدتنا لذلك متجددة إلى اعتماد برنامج وطني موحد في السياسة والمقاومة وإدارة الشأن الداخلي على قواعد الشراكة والوحدة والمصالحة.
لن يكون سهلًا على أطراف التآمر تمرير أي صفقة مشبوهة تنقص من الحق الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني وعبر مسيرات العودة يمكن أن يحبط أفعال هذه الصفقات ويقبرها إلى غير رجعة.
رسالة مسيرات العودة في غزة إلى الضفة أن التنسيق الأمني لا يمكن أن يعطل انطلاقتكم، وأن النفس الطويل والصبر الحكيم في مراكمة نقاط القوة عبر مسيرات العودة يمكن أن يصل إلى شرارة الانطلاق في الضفة لتثور على مشروع المعازل والكنتونات في داخلها، وتشتعل لصالح حق العودة والقدس في مواجهة مباشرة من نقطة صفر مع الاحتلال لإعادة الاعتبار لانتفاضة القدس وثورة الأحرار في ضفة الأبرار.