لم تزِد مدة الجولة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي أكثر من أربع وعشرين ساعة يومي 12-13 نوفمبر، لكن أداء المقاومة جاء كثيفاً ومركّزاً، كماً ونوعاً، سواء بعدد القذائف الصاروخية، ونوعيتها، وقد تحدثت هذه السطور في الأيام السابقة عن أهم مميزات هذه الجولة: السياسية والعسكرية.
آخر القراءات التحليلية لهذه الجولة تتحدث بكثير من الحذر حول مآلاتها، من خلال طرح هذه الأسئلة:
- هل طوت (إسرائيل) "صفحة الصفعة" التي تلقتها على يد مقاتلي غزة، ورضيت "من الغنيمة بالإياب"، وكأن شيئا لم يكن، و"يا دار ما دخلك شر"؟!
- كيف يمكن لـ(إسرائيل) أن تواجه تحديات أخطر من غزة، وتهديدات أكبر منها، وهي تعلم أن أعداءها خارج حدودها يراقبون ما حصل، وهم يفركون أيديهم فرحاً بهذه الانتكاسة الإسرائيلية؟
- - مدى تأثير نتيجة هذه المواجهة "القصيرة الدسمة" على تصدي (إسرائيل) للجبهات المعادية شمالاً وشرقاً؟
- هل تفعلها (إسرائيل)، وتستعيد زمام المبادرة مع غزة، عبر عملية انتقامية لترميم قوتها الردعية التي تآكلت أمام المقاومة، فتكون ضربة خاطفة مؤلمة لغزة، تمنح لـ(إسرائيل) "صورة الانتصار" التي حصلت عليها المقاومة، مع بقاء تفاهمات جميع الأطراف بألا تنزلق الأمور لمواجهة واسعة تأتي على الأخضر واليابس؟
- الاعتقاد الجازم بشأن ضربة إسرائيلية انتقامية قادمة تعيد من خلالها صورة الردع التي أصابتها كسور وتصدعات.
- الثقة الزائدة بأن (إسرائيل) لن تعود مجددا إلى غزة، بعد أن حققت مقاومتها الردع المطلوب، بحيث لن تجرؤ إسرائيل على التحرش بها خشية تلقي ضربات أقوى وأشد.
هذه عينة منتقاة فقط من سيل من التساؤلات المشروعة، التي ما غادرت أذهان أهل غزة وصناع القرار فيها لحظة واحدة منذ قرار وقف إطلاق النار قبل عشرة أيام، على اعتبار أن ما حصل من انتكاسة لـ(إسرائيل) ظهرت فيها يد المقاومة الأعلى، ويبدو من الصعب على كثير من الفلسطينيين والإسرائيليين التسليم بأن (إسرائيل) اضطرت للتكيف معها، والانتقال لتحديات أخرى.
الإجابة الموضوعية عن تلك الأسئلة تتطلب البعد عن المبالغة في أمرين:
أخيراً.. نحن أمام عدوّ غادر، وفي الوقت ذاته، مُتخم بالقوة، ولديه فائض منها، صحيح أن هذه القوة عليها قيود وكوابح، لكن طبيعة صراعنا معه أكدت بما لا يدع مجالا للشك صعوبة أن يسلم بما حصل، تلقى صفعة قاسية، وقد يعاود ردها، ليس لأنها "مشكلة عائلية" بين غزة و(إسرائيل)، ولكن لأن هذا كيان عدواني، ويخشى أن تتجرأ عليه قوى أخرى على قضم ما تبقى من ردعه بعدما حققته غزة!