فلسطين أون لاين

​ماذا نستقي من المولد النبوي دروسًا وعبرًا؟

...
غزة - أسماء صرصور

لم يكن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم حدثًا عابرًا، ولا هو ميلاد كأي ميلاد؛ إنما كان مولده صلى الله عليه وسلم إيذانًا بثورة جديدة في هذا الكون، ثورة سلاحها الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وهدفها إعادة البشرية للمنهج القويم الذي تركه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، والمولد النبوي بهذا المعنى تجديد لصورة الحياة في ذلك الوقت، وهو تجديد لا يعتريه القِدم ولا يبلى، إذ هو خاتم النبيين، لذا كان لا بد من أن يُبعثَ بمنهج متجدد بتجدد الحياة البشرية، منهج خالد يصلح لكل زمان ومكان.

هذا، وقد أثبتت الأيام أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت هي الأقدر على توفير متطلبات الحياة المتحضرة الراقية لكل البشر بلا استثناء، وأن هذه الرسالة هي مصدر إشعاع وإلهام لكل من أراد السمو بخلقه وخلق البشرية جمعاء، من أجل ذلك فإن هذا الميلاد الذي نحتفل به اليوم يمكن أن يحمل لنا مجموعة من الدروس والعبر التي لا غنى عنها في حياة البشرية جمعاء، ونحاول في هذه العجالة استعراض شيء من تلك الدروس مع أستاذ الفقه المقارن في الجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي.

ويشير د. السوسي إلى أن الدرس الأول هو: "إن هذا الكون محكوم بعدل الله تعالى"، موضحًا أن الله تعالى حرم الظلم على نفسه وحرّمه على الناس من بعده، حيث جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا).

ومن هنا فإننا نقول إنه –وفق قوله- من عدل الله تعالى أن أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأيده بمعجزة القرآن الكريم، هذه المعجزة التي تعد حجة على الناس جميعًا، وفي ذلك يقول الله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)، ووجه العدل في ذلك أن الله تعالى عامل عباده بالعدل فبين لهم ما يتقون من خلال آيات كتابه العزيز، حتى إذا ما جاء يوم الحساب فإنه يقيم الحجة عليهم بأن أنذرهم بهذا الكتاب.

ويشدد على حاجتنا اليوم إلى هذا العدل، فالأرض قد ملئت جورًا وظلمًا، وما عاد الناس يتبينون قبل الحكم على الأشياء، وإنما يأخذ بعضهم بعضًا بمجرد الشبهة والريبة، وهذا ليس من العدل في شيء.

وأما الدرس الثاني فهو "رحمة الله عز وجل لعباده"، وعن ذلك يقول أستاذ الفقه المقارن: "يقول الله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا)، أي رحمة هذه التي غمر الله تعالى بها عباده؟ فهو قادر عليهم، ولا يعجزه منهم شيء، ولا يضرونه بشيء ولا يستطيعون، ولكنه رغم ذلك أبى إلا أن ينذرهم، ثم يمهلهم ولا يستعجل لهم بالعذاب أو المؤاخذة، حتى يستمعوا إلى ما تأتيهم به رسلهم".

ويلفت إلى أن الرحمة هي مطلب المخلوقات كلها، التي تعقل والتي لا تعقل، لذا فمن أهم الدروس المستفادة من هذا الحدث العظيم هو أن يتراحم الناس فيما بينهم، وألا يتسلط قويهم على ضعيفهم، أو حاكمهم على محكومهم، فالبشرية تنتظر يومًا يأتي يتحرر فيه من هم في سجون الظلمة من الحكام من عذاب جلاد لا يرحم، وظلمة سجن لا آخر لها.

وينتقل د. السوسي للحديث عن الدرس الثالث والأخير وهو "الإنسان محتاج إلى ما يرده إلى الله باستمرار"، موضحًا أنه كثيرا ما يقع الإنسان في الغفلة عن المنهج الحق الذي أمر الله تعالى باتباعه، ومن ثم يقع في شباك الشيطان، ووحل الشهوة، وقد نهانا الله تعالى عن الغفلة حيث خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم قائلًا: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ).

ويؤكد أهمية أن يكون هناك من يذكر بمنهج الله عز وجل، خاصة أننا نشعر –وفق قوله- بهذا التيه الذي سببه هذا التطور الهائل في حياتنا، وما نتج عنه من أدوات لهو لا تعد ولا تحصى، كلها لها تأثير السحر على الإنسان في إضاعة الوقت والشغف في التعامل معه، وعلى رأس ذلك وسائل الاتصال الحديثة وغيرها من وسائل التكنولوجيا الأخرى.

ويتابع د. السوسي: "وخير ما يعيننا على الرجوع إلى ربنا واليقظة من تلك الغفلة، هو هذا الكتاب الذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، نتلو آياته آناء الليل وأطراف النهار"، لافتًا إلى أن هذه المعجزة الخالدة هي سبيلنا إلى ذكر الله تعالى، وعدم إغراقنا في ما حرم علينا.