حين ابتلعت (إسرائيل) المنجل في غزة: البندقية المسيسة 3-6
ما زلنا في طور تحليل أبعاد الانتكاسة العسكرية التي منيت بها (إسرائيل) من عدوانها الأخير ضد غزة، ونصل اليوم إلى أبعاد القصف الصاروخي الذي شنته المقاومة على أهداف إسرائيلية في مرمى مستوطنات غلاف غزة، والرسائل السياسية التي حملها، فظهرت المقاومة في مستوى متقدم من النضج السياسي، يوازي ما هي عليه من اقتدار عسكري.
لن نأتي بجديد إن قلنا إن الخرق الإسرائيلي لتفاهمات التهدئة التي ترعاها مصر وقطر والأمم المتحدة، منح المقاومة حجة سياسية لتفعيل قدراتها العسكرية للرد على هذا الانتهاك السافر، وقد لا يكون سراً أن الساعات التي تلت هذا الخرق الإسرائيلي، وسبقت رد المقاومة، شهدت حراكا سياسيا حامي الوطيس بين غزة والقاهرة وتل أبيب وعواصم أخرى.
بعيدا عن مدى دقة المعلومات الآتية، فمن الواضح أن المقاومة أبلغت هذه الأطراف مجتمعة، أنها في موضع لا يسمح لها إلا بأن ترد على هذا الخرق الإسرائيلي، الذي يعتبر صفعة في وجوه تلك المساعي الإقليمية والدولية، قبل أن يشكل تعدياً على الفلسطينيين.
صحيح أن المقاومة لم تكن تنتظر أخذ الإذن من أولئك الوسطاء، رغم تقديرها لأدوارهم المهمة في تثبيت الأوضاع بغزة، لكن الحصافة السياسية من المقاومة هذه المرة، وفي إطار تغذيتها الراجعة من مواجهات سابقة، تقدم فيها الميداني على السياسي، كانت تسعى للموازنة بين الأداءين، الدبلوماسي والعسكري، وهو ما قوبل بردود فعل الوسطاء الرافضة للعدوان الإسرائيلي، ويحمله مسئولية أي تدهور قد تشهده غزة.
أكثر من ذلك، فقد حملت المديات الصاروخية التي غطتها المقاومة في غلاف غزة ومدينة عسقلان، خلال الساعات الأربع والعشرين من الإطلاق المكثف رسائل سياسية بليغة، مفادها أنه ليس لديها توجه "بهدم المعبد على رؤوس ساكنيه، أو كسر قواعد اللعبة، أو خلط الأوراق"، وفق مفاهيم ومصطلحات الساسة، لكن ما حصل من عدوان إسرائيلي، كان لا بد له من رد، ورد عسكري مسيس.
على ما يبدو أن صناع القرار الإسرائيلي التقطوا المغازي السياسية من الصواريخ الفلسطينية، فاستوعبوها، وعملوا على هضمها، ولو كان ذلك عسيرا عليهم، ربما لأن مصلحة جميع الأطراف التقت عند هذه النقطة بعدم الذهاب لمواجهة مفتوحة شاملة، قد تحرق الأخضر واليابس.
يمكن القول بكثير من الثقة، أن ما قامت به المقاومة في الجولة الأخيرة من مراكمة لقدراتها العسكرية وإمكاناتها التسليحية، رافقته ذات المراكمة من الفهم والنضج والقراءة السياسية، بحيث بدا كما لو أن هناك مايسترو واحدًا وناظمًا مشتركًا يحدد بوصلة أي رد على العدوان الإسرائيلي، لأن في ذلك تحقيق لإنجازات كثيرة، وحقن لدماء عزيزة، وحرق لمراحل زمنية طويلة.. هي البندقية المسيسة التي نحتاج إليها أكثر من أي وقت مضى.. فأنعم بها وأكرم!