فلسطين أون لاين

​نساء "دير بلوط" يواجهن الاحتلال بالتمسك بزراعة أراضيهن

...
قلقيلية - مصطفى صبري

أسبوعان تقريبًا يفصلان سهل بلدة دير بلوط غرب سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة الشهير بالزراعة البعلية في فصل الشتاء، عن اكتسائه باللون الأخضر، بعدما زرعته أيادي النساء القاطنات في تلك المنطقة.

لوحة صمود أسطورية تسطرها هؤلاء النساء اللواتي يعملن في ذلك السهل، لكونه مُحاطًا بمستوطنات وحواجز عسكرية تابعة للاحتلال الإسرائيلي.

الحاجة وصفية عبد الجواد (71 عامًا) إحدى النساء العاملات في زراعة السهل، تقول: "نساء دير بلوط يعددن السهل حياتهن، فلا طعم للحياة دون زراعة السهل".

تُقلّب عبد الجواد خلال حديثها مع صحيفة "فلسطين"، ذاكرتها عائدةً للماضي الجميل: "أذكُر والديّ عندما كنت صغيرة وهما يزرعان السهل بالبامية والحمص والفقوس والخيار صباحًا ومساءً".

وتُكمل: "حياتنا كلها في السهل، ونحن ورثنا هذه الطقوس ولم تكن وقتها مستوطنات واليوم تمسكنا بالسهل أكثر، خاصة بعد اقتراب المستوطنات ومحاولاتها ابتلاع السهل".

أما الحاجة رسمية يحيى (65 عامًا)، فتقول: "كل ذرة تراب في سهل دير بلوط مجبولة بعرق نساء القرية، فهنّ من الجيل القديم والحديث يعملن فيه".

وتضيف يحيى لـ"فلسطين"، أن "نساء السهل يعشقن العمل فيه، فوجود السهل مزروعًا بالمزروعات البعلية له قيمة في نفوسنا غير القيمة المادية"، مشيرةً إلى أنهنّ تلقين دورات للاعتناء في السهل".

وتوضح أن عمل النساء في السهل نابع عن علم سابق بقيمته الوطنية قبل الزراعية والإنتاجية، "في حين كان في السابق عبارة عن عمل روتيني"، وفق قولها.

400 امرأة

الناشط الشبابي من دير بلوط داوود عبد الله (33 عامًا)، يذكر أن قرابة 400 امرأة من كبار السن يعملن في سهل دير بلوط الشهير، ويتناوبن على زراعته خلال المواسم.

ويقول عبد الله لصحيفة "فلسطين": "في هذا الوقت تنتشر نساء دير بلوط لزراعة السهل البالغ مساحته 1200 دونم، لزراعة بذور النباتات من شعير وقمح وفقوس وحمص وسمسم وغيرها من المزروعات الشتوية البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار".

ويضيف: إن نساء دير بلوط لا يستسلمن للعراقيل التي يضعها الاحتلال، مثل ترك الخنازير البرية تهاجم المزروعات، وإلقاء مخلفات المستوطنات.

ويتابع: "تحرص النساء على العمل في زراعة السهل، حتى يبقى صامدًا أمام تغول المستوطنات"، عادًا تشبثهن، بأنه "لوحة صمود أسطورية".

ويؤكد أن الاحتلال يعارض محاربة ظاهرة الخنازير التي تدمر الأخضر واليابس في المكان، "فمن يحافظ على سهل دير بلوط كمن هو قابض على الجمر من شدة الإجراءات القاسية من الاحتلال والمستوطنات المحيطة به ومحاولة ترحيل الناس فيها بطريقة غير مباشرة"، على حد وصفه.

ويشير عبد الله، إلى أن نساء دير بلوط في الصباح موظفات في المدارس والمؤسسات الحكومية أو ربات بيوت وفي المساء يلتصقن بالأرض لزراعة السهل التاريخي، حفاظًا على رمزيته التاريخية.

رفض المشاريع

بدوره، يؤكد رئيس بلدية دير بلوط يحيى مصطفى، أن الاحتلال يرفض تنفيذ أي أعمال خاصة بالبنية التحتية في سهل دير بلوط، بحجة أنه يقع ضمن المنطقة المُصنفة (ج).

ويوضح مصطفى لصحيفة "فلسطين"، أن مخلفات المستوطنات تجتاح السهل خلال فصل الشتاء، عدا عن مهاجمة الخنازير البرية للمزروعات.

ويُشير إلى أن الاحتلال يمنع البلدية من محاربة هذه الظاهرة، بهدف دفع المواطنين للرحيل عن السهل وتركه بلا زراعة، ليكون فريسة للمستوطنات القريبة منه.

وتُعد بلدة دير بلوط من بلدات الضفة الغربية التي احتُلت عام 1967، وتقع على بُعد 20 كم إلى الغرب من مدينة سلفيت ويربطها بها شارع معبد، وسُميت بهذا الاسم لأنها مليئة بشجر البلوط منذ العهد العثماني، فيما يبلغ عدد سكانها قرابة 5 آلاف مواطن.

لكّن سهل "دير بلوط" هو ما تبقى من أراضي البلدة التي كانت مساحتها 36 ألف دونمٍ وضاعت أراضيها في النكبة عام 1948، والجدار لتخسر 24 ألف دونمٍ، ليبقى السهل والأراضي التي تحيط بالقرية محاصرة بالمستوطنات والحواجز العسكرية.