إذًا، تحقق غير المتوقع في عملية خانيونس، وفوجئت (إسرائيل)، رغم امتلاكها منظومةً استخبارية دقيقة، تقول إنها تعد أنفاس الفلسطينيين في غزة، وتحصي دقات قلوبهم، وتعرف ما يأكلون في بيوتهم، ورغم كل ذلك فلم تتأكد أن المقاومة الفلسطينية تقف بالمرصاد لأي عملية أمنية أو عسكرية قد يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غمرة الأحاديث المتواترة عن التهدئة.
يطرح فشل عملية خانيونس، التي لا يعرف أحد وجهتها الحقيقية، جملة تساؤلات برسم الإجابة أمام دوائر صنع القرار الإسرائيلي، التي أرادت أن تكون عمليتها "نظيفة" دون بصمات أو آثار تدل عليها، لكنها انتهت بدماء خير أبناء غزة، وضابط إسرائيلي من نخبة القوات الخاصة، مما يؤكد أن القوات الإسرائيلية ربما لم تتحسب، أن تكون المقاومة بهذه الجاهزية.
كأني أقرأ قائمة بأسئلة كثيرة ستطرحها لجنة تحقيق سرية، ستقام داخل هيئة الأركان الإسرائيلية، تستدعي فيها كبار جنرالات المنطقة الجنوبية، وجهازي الاستخبارات العسكرية "أمان" والأمن العام "الشاباك"، ومنها:
- هل وضعت قيادة الجيش والمخابرات فرضية تفيد بفشل العملية، ولو بنسبة واحد بالمائة، وأن ثمن هذا الفشل سيكون من دماء جنود وضباط النخبة الإسرائيليين؟
- كيف لم تقم فرقة غزة بمزيد من الإجراءات الأمنية والعملياتية لتوفير قدر أكبر من الحماية لجنودها المتسللين داخل حدود غزة؟
- سلاح الجو الذي نفذ عملية تغطية مكثفة لانسحاب الفرقة المتسللة، أين كان قبل تسللها، وهو يمشط سماء غزة من أقصاها إلى أقصاها، بمختلف الطائرات المقاتلة والاستطلاعية، كيف أن الرادار الإسرائيلي وكاميرات المراقبة برا وجوا، لم تلتقط تحركات ميدانية للمقاومة، حالت دون تنفيذ المهمة "بشكل نظيف"؟
- الأخطر هذا السؤال السياسي: عملية بهذه الدسامة، ما زلنا في طور التكهنات حولها، هل تم تمريرها ميدانيا عبر المستويات العسكرية فقط، دون الحصول على إذن الرجل الأول في الدولة، وهو نتنياهو؟
وإلى أن تتبين باقي التفاصيل، فإن عملية خانيونس ترسل برقيات خاطفة، لعل أهمها أننا لم نكن بحاجة لمثل هذه الجريمة الإسرائيلية لتأكيد المؤكد، أننا أمام عدو غادر، لا يؤمن له جانب، ولعل يقظة المقاومة، رغم ارتقاء الشهداء الأبرار، منعت خطرا أكبر!
لكن عملية خانيونس ظهرت كأن الاحتلال يسابق الزمن لتنفيذ هذه العملية، قبل إتمام أي تفاهمات ميدانية في القطاع، ربما الخروج بصورة انتصار "متوهمة"، مع العلم أن كاتب السطور يشك أن نتنياهو لا يعلم بالعملية، رغم علمه أكثر من سواه معنى المغامرة بإدخال جنوده في عش الدبابير "غزة"..
أخيراً.. أثبتت عملية خانيونس أن أي تقدير موقف يكتب عن غزة، يمكن إتلافه بعد عدة دقائق، لأننا نعيش في منطقة الرمال المتحركة.