جمع بينهم حلم واحد، وموعد استشهاد واحد، ولكل منهم حكاية خطّها في الحياة بين أهله وجيرانه ومجتمعه. هذا هو حال ستة غزيين ارتقوا أول من أمس في المناطق الشرقية لخانيونس جنوبي قطاع غزة.
والحلم المشترك بين هؤلاء الشهداء هو العيش في وطنهم فلسطين محررا من الاحتلال والحصار، أما حكاياتهم يقصها آباؤهم وأصدقاؤهم وأقاربهم.
نور بركة
في ذلك المكان من خان يونس، تسللت قوةٌ احتلالية خاصة مستخدمةً مركبةً مدنية حيث اكتشفتها قوةٌ أمنية تابعة لكتائب عز الدين القسام وقامت بتثبيت المركبة والتحقق منها، كما حضر إلى المكان القائد الميداني في الكتائب نور بركة للوقوف على الحدث، وإثر انكشاف القوة بدأ مقاتلو الكتائب بالتعامل معها ودار اشتباك مسلح أدى إلى استشهاده ومقاوما آخر؛ بحسب بيان "القسام".
وارتقى أثناء عمليات المطاردة والاشتباك المباشر أربعة مقاتلين آخرون من "القسام"، وواحد من ألوية الناصر صلاح الدين.
والشهيد بركة أب لطفل ذكر واحد هو "عبد الرحمن" وخمس بنات، وحاصل على درجة الماجستير في الفقه المقارن في سبتمبر/أيلول الماضي.
محمد القرا
على مقربة من منزله، تدور مشاهد الصداقة في عقل وقلب ناصر الدغمة رفيق الشهيد محمد القرا الذي كان يبلغ من عمره "23 عاما"، كأنما تقول له: إنها لن تفارقه يوما وإن تباعدت الأجساد.
درس الدغمة مع القرا في جميع المراحل حتى الثانوية العامة، عندما سلك الأخير طريق التجارة في الخضروات لكسب ما يعينه على الحياة.
للشهيد القرا أربعة إخوة هو أصغرهم، وكان يطمح بالزواج وقد حقق ذلك قبل أسبوع فقط وصار عريسا، كما أن شقيقته عقدت قرانها ليلة استشهاده.
ويذكر لصحيفة "فلسطين" أنه كان فرحا عندما عقد قرانه، وكان دائم الحمد لله لا يشكو لأحد من البشر شيئا.
وقبل 10 أيام من ارتقائه، حدّث والدته الخمسينية عن شعوره بقرب الشهادة، بحسب ابن خاله محمد أبو نصيرة.
ويصف الدغمة صديقه الشهيد بأنه كان "طيبا أكثر مما يمكن تصوره"، ولطالما زاره في بيته بخانيونس، ودعاه لرد الزيارة سريعا.
ولفلسطين مكانة كبيرة عند القرا، لكنه تمنى على الدوام أن تتحرر من الاحتلال، وفي عدوان 2014 على قطاع غزة رفض مغادرة منزله رغم أنه في منطقة "شبه حدودية"، مصمما على البقاء في أرضه ثابتا، بحسب "أبو نصيرة".
أما الموقف الأخير الذي جمع "أبو نصيرة" فكان قبل ساعة ونصف من ارتقائه، عندما كان عائدا من عمله وتبدو عليه الفرحة بخطبة شقيقته.
حرص القرا على أداء الصلاة في المسجد حتى الرمق الأخير، وكان خلوقا وحسن المعاملة مع الآخرين، كما يروي قريبه.
ويصف سيرة حياة الشهيد بأنها ترفع الرأس، مبينًا أنه كان يؤكد ضرورة التوحد في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
"سبحان الله.. تزوج واستشهد في الأسبوع نفسه وقد كان الأمران أمنيته"؛ والكلام هنا للدغمة.
محمود مصبح
تتردد في بيت عزاء الشهيد محمود مصبح أناشيد الاحتفاء بأولئك الذين يرتقون دفاعا عن وطنهم فلسطين، بينما يستقبل والده عطا الله الوافدين ممسكا بدموع الفراق والفخر بنجله.
لم تسعف الكلمات أباه، الذي اكتست لحيته باللون الأبيض، على التعبير عما يصول ويجول في خاطره عن ابنه الذي لم يعد بإمكانه لقاؤه يوما في الدنيا.
وإذا ما نطق ببعض الكلمات يقول: "كان رجلا مؤدبا محترما خلوقا مع الناس"، ثم تمنعه الدموع من المواصلة.
وبحسب ابن عمه أحمد مصبح، كان الشهيد مقبلا على الخطبة، لكنه ارتقى قبل أن يحقق هذه الخطوة.
ويقول مصبح لصحيفة "فلسطين": إن ابن عمه كان ملتزما في المسجد، وموجود على الدوام فيه.
ويفيد بأن اليوم الذي استشهد فيه هو الوحيد الذي لم ير فيه والده، وليلتها حدث أمه الستينية قائلا: "أنا يمّا حلمت بالحور العين"، في إشارة إلى توقعه الاستشهاد.
ولفلسطين قيمة عظيمة عند الشهيد محمود، الذي "حقق حلمه بالشهادة التي نرجو الله أن يهبنا إياها"، يتمم حديثه.
مصطفى أبو عودة
"كان يسمع كلامي دائما.."؛ يكرر حسن أبو عودة والد الشهيد مصطفى هذه الكلمات مشيدا بصفاته وبره له طوال حياته.
تعتلي مشاعر الحزن على الفراق ملامح الأب وتنهمر كلما همّت دمعة من النزول من عينه.
يقول أبو عودة لصحيفة "فلسطين" عن ابنه وسط جمع من الناس الذين توافدوا إلى بيت العزاء: "إنه إنسان خلوق يخاف الله، ويصلي في المساجد".
وتأخذه الحماسة لوصف ابنه العشريني الشهيد بقوله: كان محبوبا بين الناس والأهل، وقد أنهى دراسته الجامعية في تخصص العلاقات العامة.
ولم يكن الشهيد متزوجا قبل ارتقائه، وهو الذي يكبره أخوان ولطالما أخبر أباه الخمسيني برغبته في أن يزوجهما أولا، كما عمل كل ما في وسعه لمساعدة والده.
وكان مصطفى حريصا على المشاركة في مسيرة العودة وكسر الحصار، مخبرا أباه بأمنيته الشهادة في سبيل الله عبر الدفاع عن الوطن، وبضرورة مقاومة الاحتلال.
والاستشهاد الذي كان خاتمة حياة مصطفى، هو المصير الذي قد يلقاه كل شاب فلسطيني في ظل الاحتلال، ولذلك يشدد والده على ضرورة أن يقف الفلسطينيون صفا واحدا.
وإنْ كانت له أمنية الآن، فهي أن يُسكن اللهُ الشهيد مصطفى جنات النعيم.
علاء فسيفس
تسلل الشعور بقرب الاستشهاد إلى الشاب علاء الدين فسيفس، الذي بلغ "19 عامًا" من عمره، قبل ارتقائه، بحسب أبيه فوزي الذي توسط أقاربه الفخورين بنجله.
يصف الأب في حديث مع صحيفة "فلسطين" في بيت العزاء، نجله الشهيد بأنه نقي تقي مواظب على الفرائض الدينية ومن رواد المساجد.
وكثيرا ما أطلع علاء أباه على أمله في أن تتحرر فلسطين وأن يعيش فيها كما تعيش كل شعوب العالم في أوطانها بحرية كاملة.
وعلاء الذي أنهى الثانوية العامة، كان يرغب في الزواج، لكنه كان ينتظر أن يتخرج أخوه الذي يدرس الحقوق ويقدم على هذه الخطوة، كما يضيف أبوه.
ويذكر الوالد أن الاحتلال والحصار أثرا بشكل مباشر على حياة ابنه في مجالاتها المتعددة.
ولا ينسى الموقف الأخير الذي جمعه بعلاء، عندما خاطبه بقوله: "أشعر أنك بوضع غير طبيعي يا بني، كلما أتحدث معك تبتسم، كأنما يتسلل شعور إليك بأن الاستشهاد قريب منك"، مبينًا أن ابنه كان يتمنى الشهادة ويرد عليه قائلا: "لو استشهدت أكون شفيعا لك يوم القيامة".
ويتمم حديثه بأنه كان بارا لوالدته الخمسينية، وله: "كان إنسانا عاقلا يسمع ويطيع ولم يخالف لي أمرا قط".
عمر أبو خاطر
اشترك الشهيد عمر أبو خاطر مع بعض رفقاء دربه بشعوره المسبق بأنه سيرتقي قريبا، وقد تحقق ذلك بعد يوم، كما يقول والده ناجي.
يضيف أب الشهيد لصحيفة "فلسطين" أن هدف نجله كان تحرير فلسطين.
ويشيد بعلاقاته به وبوالدته الخمسينية، داعيا العالم إلى إدانة جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني ومحاسبته عليها.
خالد قويدر
كان الشهيد خالد قويدر قبل ارتقائه في انتظار إنجاب المولود الثالث؛ إذ إن زوجته حامل، وهو أب لطفلتين لا تتجاوز الكبرى أربعة أعوام من عمرها، بحسب أبيه محمد.
ويقول والده لصحيفة "فلسطين": إنه كان يريد كما باقي الناس أن يعيش في حرية دون احتلال وحصار.
ويشيد بابنه الذي أحسن على الدوام معاملة أهله، ذاكرا أن الموقف الأخير بينهما كان أن تناولا الغداء سويا.
ويكرر الأب أمنية الشهيد: "نريد فلسطين حرة مستقرة".